طريق الموت

علي المعشني

الطريق البري الرابط بين نزوى وثمريت أصبح اليوم قضية رأي عام بامتياز، بعد أنْ أصبح طريقًا يبتلع الأرواح ويُنْتِج للوطن وزائريه أعدادًا لا يستهان بها من الجرحى والمعاقين.

هذا الطريق تجاوز في عمره العقود الأربعة، ونما كل شيء حوله وتطوَّر خلال ذاك الزمن، وهو باق كما هو بلا تغيير أو توسعة أو تطوير، وكأنه تراث مُقدَّس أو من مُفردة بيئية لا تُمس وفق تشريعاتنا في السلطنة!! هذا الطريق -وكما هو معلوم للجميع- طريقٌ خدمي سياحي اقتصادي أمني اجتماعي وسيادي؛ حيث يربط شمال السلطنة بجنوبها، وكان يكفي عنصر واحد من هذه العناصر لتحفيز الجهات المختصة لتطوير الطريق وتوسعته وإنارته وإحاطته بكافة الخدمات الضرورية منها والدائمة.

تلكُّؤ الحكومة ولسنوات خلت وتجاهلها لمناشدات المواطنين والزوار والواقع معًا لتطوير الطريق والعناية به، أوْصَلنا اليوم إلى مناشدات للمواطنين للحكومة بإنشاء صندوق وطني لتبرعات المواطنين للطريق المذكور حقنًا للأرواح والدماء.

أحتفظُ لنفسي بكلِّ تفاصيل هذا الطريق وقصته منذ النشأة ولغاية اليوم وسأتجاوز عن كل الجهود والمنح والخطط والمطالبات وأحاديث المسؤولين عنه منذ تسعينيات القرن الماضي ولغاية اليوم، وسأتركها دون خوض أو تعليق لأنها معلومة وجلية لدى صناع السياسات والقرار في السلطنة، وسأكتفي بتناول ما يطفو على السطح فقط، ويشغل الرأي العام وأصبح حديث المجالس وقضية رأي عام.

ومن المنطق والعقل أنْ يشهد هذا الطريق الحيوي المهم نصيب الأسدَ من الاهتمام والعناية والصيانة والتطوير، وبدون مناشدات أو كوارث يومية أو ضجيج؛ فطريق نزوى ثمريت زادتْ الحاجة إليه كثيرًا في العقود الأخيرة؛ حيث أصبح عقدة مواصلات حقيقية لشركات النفط والمشروعات الإنشائية الضخمة بوسط السلطنة وجنوبها، وطريقا رابطا مع دول الجوار، وفوق كل هذا فهو طريق بجغرافية وتضاريس سهلة وطيِّعة؛ حيث لا جبال تتخلله ولا وديان ولا ظروف مناخية استثنائية تعتريه حتى نتحجَّج بعلو الكلفة وعدم توافر المعتمدات المالية، فقد أصبح المواطن اليوم يتابع أخبار المشروعات وتكلفتها من قبل المسؤولين ويقارنها بمشروعات أخرى قائمة أو لا تزال في الخطة، ويكتشف الكثير من التناقضات والتفاوت في الكلفة والأولويات والمواصفات؛ لهذا لم تعد المشروعات والمخططات بعيدة عن انشغال الرأي العام والتداول اليومي للمواطنين، أُضف إليها المقارنات مع دول الجوار ودول العالم لمشروعات مطابقة ومثيلة. ومن هنا، فمن الطبيعي أنْ يرتفع سقف طموح المواطن ومناشداته، بل وجدوى حلوله التي يطرحها في ظل الشفافية من حوله والمقارنات لتجارب عالمية تدفع بها يوميًّا وسائل التقنية والاتصالات وتتداولها وسائل التواصل الاجتماعي بكل يُسر.

الحقيقة التي يجب أن يعلمها الجميع ويدركها هي أن طريق نزوى-ثمريت طريق استثنائي، ويجب أن يحظى بعناية ومعاملة استثنائية، ويعزز هذه القناعات ويرفع سقفها حصد الأرواح البريئة والتي أصبحت كمسلسل يومي لا يتوقف عرض حلقاته.

كنا نحلم -وما زلنا- أن ينشأ طريق جديد يعكس التنمية المتسارعة وجودتها العالية في السلطنة ويترجم طموح وتوجيهات سلطان البلاد المفدى -حفظه الله ورعاه- يتكون من ثلاث حارات مع الأكتاف في الاتجاهين مع الإنارة والخدمات وأدوات الأمن والسلامة المتعارف عليها للطرق المثيلة في العالم، وأن يُصان الطريق القديم ويخصص للشاحنات والمعدات فقط لضمان السلامة المروية وانسيابية الحركة، ويحد من مخاطر الطريق، ولكننا اليوم نحلم فقط بما يوقف نزيف الأرواح ويحقق السلامة والأمان لمرتادي الطريق.

كلما أسلك الطريق المذكور كغيري من المواطنين والزوار أتساءل: أين الإنارة؟ ولماذا لا نستفيد من تقنية الطاقة الشمسية أو غيرها من الطاقة المتجددة؟ لماذا لم تكلف شركات الصيانة الحالية بتوفير مسافة محددة من أعمدة الإنارة ضمن شروط مناقصاتها للتقليل من الحوادث وخدمة مرتادي الطريق؟ أين دور شركات النفط العملاقة والشركات الكبرى العاملة بوسط السلطنة وجنوبها من المسؤولية الاجتماعية في تحسين الطريق وتوفير الخدمات لسالكيه؟ لماذا تحوَّلت الاستراحات إلى مزارات للحشرات والزواحف، وتعاني من التصحر ونقص حاد في الخدمات واشتراطات النظافة العامة؟

إذا كانت الحكومة لا تستطيع تطوير الطريق وتهيئته بما يلبي أهدافه وأهميته لأسباب مالية أو خلافها، فعليها فتح المجال للجهود الأخرى والإنصات لمناشدات المواطنين، واستثمار جهدهم الوطني الملحمي للمساهمة المادية في موازنة الطريق المذكور، وعدم ترحيله من المخططات لسنوات أخرى مقبلة، وبهذا نكون خلقنا ثقافة جديدة وعمَّقنا وعيًّا ملحميًّا تتكاتف فيه الجهود الحكومية مع جهود المواطنين، ويجب أن ننظر لهذا السلوك بعين الايجابية والرضا لا بعين الترفع والعزة بالإثم؛ فهذه الخطوة لا تختلف عن المشروعات مدفوعة الرسوم سلفًا كالطرق السريعة في العالم، والتي تفرض الرسوم على سالكيها أو منح الشركات امتيازات وانتفاعات استثمارية طويلة المدى على طول الطريق، لكنها تختلف في كونها رغبة صادقة من مواطنين أوفياء للإسهام في مشروع وطني مُؤرِّق لهم، ويعد من الأولويات التي توجب استدرار الخير والتعجيل به.. وبالشكر تدوم النعم.

-----------------------

قبل اللقاء: مُشكلتنا في السلطنة ليست في الموارد المالية، بل في الأمور التنظيمية والتشريعية التي تلف حياتنا دون مراجعات أو تدبُّر؛ فمراجعة تلك الأمور التنظيمية والتشريعات كفيلة بتنظم الموارد والأولويات، وحقن وتقنين الهدر المنظم في أوجه الإنفاق العام للدولة.

Ali95312606@gmail.com

الأكثر قراءة