المصارف الإسلامية بين الخيار والاختيار

 

حُمود الطوقي

أَحْسَنَت صُنعاً كلية الدِّراسات المصرفيَّة والماليَّة العُمانيَّة -وبالتعاون مع شركة توافق ماليزيا- تنظيمهم الملتقى الدولي عن الأدوات المالية الإسلامية بمحافظة ظفار. والملتقى أخذ بُعدًا دوليًّا، وحقَّق نجاحًا كَوْنه يناقش أحد أهم التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية ليس فقط في السلطنة، بل على المستوى الإقليمي والدولي.

فعلى مدار اليومين الماضيين، تابعتُ النقاشات وأوراق العمل التي طُرِحَت في أعمال الملتقى، والتي شارك في تقديمها مختصون من السلطنة ومن 16 دولة عربية وأجنبية.

ما يُثْلِج الصَّدر أنَّ المشاركين في أعمال الملتقى قالوا بأنَّ السلطنة تُعتبر مركزا مهما للأدوات المالية؛ كونها تقدم أنموذجا متطورا في هذه الصناعة، مستفيدة من تجارب دول سبقتها في هذا المضمار، وطالبوا الجهات المنظِّمة لهذا القطاع -وعلى رأسها البنك المركزي العُماني- بالمزيد من الدَّعم والمرونة لكي يحقق قطاع المصارف الإسلامية في السلطنة البُعد الإقليمي، وتأسيس منظومة جديدة تتماشى مع مُتطلبات الشريعة الإسلامية. ولعلَّ مُؤتمر صلالة الدولي الأول للمالية الإسلامية جاء ليترجم هذا التوجه، ويُسهم في بلورة شراكة حقيقية كجزء من المسؤولية الملقاة على عاتق القطاع الخاص لدعم البرامج المشتركة مع الحكومة، وهذا التوجُّه ينشده الجميع، وحتى لا نبتعدَ كثيرا عن لُب الموضوع، وكون حديثنا هنا عن قطاع المصارف الإسلامية، سأركِّز على أبرز تحديات هذا القطاع.

سَعَادة حُمود بن سنجور بن هاشم الرئيس التنفيذي للبنك المركزي، كان حريصًا على المشاركة ومتابعة الأوراق المطروحة في أعمال الملتقى، وألقى كلمة افتتاحية؛ تناول فيها الجهودَ التي تُبذل من قبل البنك لتطوير الأدوات المالية الإسلامية، ودعا القائمين على الملتقى لتسليط الضوء على أهم التحديات التي تُواجه القطاع وطرح ومناقشة الحلول المناسبة لها.

الملتقى، خلال اليومين الماضيين، ناقش 16 ورقة عمل، وركَّز على الدور الذي تلعبه المالية الإسلامية في التنمية الاقتصادية، وأهمية توحيد الفتاوى الشرعية في هذه الصناعة. وسأركز هنا على أبرز التحديات التي تواجه قطاع الصيرفة الإسلامية في السلطنة، ولعلَّ توصيات المتلقى ستتناول أيضا هذا الجانب كون التوصيات التي تصدر عقب كل ملتقى يجب أن تُنَاقش وتُتَابع من قِبل المسؤولين وصُنَّاع القرار.

لا نُنكر النمو الكبير الذي واكب قطاع المصارف الإسلامية في السلطنة رغم حداثته، والذي يقدَّر بنحو 30%‏. ورغم ما يواكب هذا القطاع المالية الاسلامية من نمو، إلا أنَّ الجانب الآخر "التحديات" مصدر قلق للقائمين؛ ومنها: الجوانب الشرعية والرقابية، وهذه يجب التعامل معها بحذر شديد، وتحتاج قدرات وتأهيلا ومراقبة التجارب الأخرى، حتى تكون تجاربنا مُتوافقة مع الشريعة الإسلامية، كما أننا نحسب أنَّ هناك حاجة للابتكار وخلق منتجات جديدة وتطوير المنتجات التقليدية التي تصدرها البنوك التقليدية ويتم تكييفها مع الشريعة الإسلامية السمحاء.

أعتقد أنَّه آن الأوان لأنْ تُفكِّر المصارف الإسلامية في السلطنة بطرح موضوع "القرض الحسن" كأحد أهم المنتجات الجديدة، ولم يغفل الملتقى مناقشة هذا الموضوع؛ فهناك تجارب عربية ودولية في موضوع القرض الحسن، فكما نعلم أن البنوك الإسلامية لا تعطي قروضا "بالنقد"، والمتعامِل من المواطنين بحاجة لسيولة نقدية لكي يحقق مطالبه. فكون البنك المركزي لا يسمح "بالتورق" -وهو إحدى الوسائل في المرابحة، ونجحت في العديد من الدول- فنرى أن البديل هو "القرض الحسن" كخيار جديد سيُساهم في رفد هذا القطاع.

ولا نغفل ونحن نتحدث عن التحديات دعوة القطاع المصرفي العُماني -بشقيه التقليدي والإسلامي- إلى أهمية تطوير الموارد البشرية العمانية وتأهيلها وصقل قدراتها لتكون قادرة على تحمل المسؤولية في المستقبل، خاصة وأن الموارد البشرية العُمانية المتخصصة قليلة في هذا الجانب.

الملتقى الذي أُسْدِل الستارُ عليه، شهد توقيع اتفاقية شراكة بين شركة توافق العمانية وهي شركة متخصصة في التدريب، وشركة إسراء الماليزية. ومن المتوقع أن تحقق هذه الشراكة نقلة جديدة في تأهيل الكوادر الوطنية في الجوانب التدريبية وتنظيم ملتقيات متخصصة تخدم توجه الحكومة في دعم الأدوات المالية الإسلامية.