ضربات موجعة يوجهها ترامب للاقتصاد الأمريكي

عبيدلي العبيدلي

يُوَاصلُ الرئيسُ الأمريكيُّ دونالد ترامب توجيه ضرباته الموجعة لشركات مفصلية في الاقتصاد الأمريكي، كان آخرها تغريدته اللاذعة لشركة "أمازون" الأمريكية، التي كال لها الانتقادات على "تويتر"؛ بسبب ما وصفه بالنيل من "الضرائب والوظائف، (متهما) موقع تجارة التجزئة العالمي، دون دليل، بأنه يؤذي المجمعات الأمريكية ويسبب خسائر في الوظائف". مباشرة، إثر تلك التغريدة السمجة، "انخفضت أسهم (أمازون) في بداية التداولات إلى 975.19 دولار، وبلغ سعر سهم شركة التجزئة   975.16 دولار بانخفاض مقداره 0.77% أو 7.58 دولار عن سعر التسوية السابق". من جانبها، سارعتْ الشركة إلى دحض اتهامات ترامب مشددة على أنها توفر "أكثر من 50 ألف فرصة عمل في جميع أنحاء الولايات المتحدة للمساعدة في تلبية طلبات العملاء. كما أنها تشارك في العديد من المعارض الوظيفية في الولايات المتحدة لتقديم فرص عمل".

ليست هذه المرة الأولى التي تنعكس تصريحات وسياسات ترامب سلبا على أداء الشركات العملاقة في السوق الأمريكية. فقبل أيام، وعندما صعَّد ترامب من مفردات تهديداته لكوريا الشمالية، إثر اندلاع الأزمة الأخيرة، قدرت صحيفة الـ"إندبندنت" البريطانية -في تقرير نشرته الأسبوع الماضي- مقدار هبوط قيمة "ثروة ثلاثة من عمالقة التكنولوجيا؛ وهم: بيل جيتس ومارك زوكربرج وجيف بيزوس بشكل ملحوظ، بعد تبادل الولايات المتحدة وكوريا الشمالية التهديدات بمقدار 4.5 مليار دولار، بعد انخفاض أسهم الشركات الثلاث (مايكروسوفت و فيسبوك و أمازون)، في البورصة، (مضيفة)، وفقدت الشركات الأمريكية مجتمعة ما يقارب 30 مليار دولار من قيمتها بين عشية وضحاها".

كما أكدت الصحيفة "سيطرت المخاوف الجيوسياسية على السوق، بفعل تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي توعد فيها كوريا الشمالية بحرب طاحنة، وهو ما قوبل بتهديدات من بيونج يانج باستهداف مصالح الولايات المتحدة في عدد من المناطق، منها جزيرة جوام".

وقد أخذت الأسواق العالمية، بما فيها الأمريكية بطبيعة الحال في استعادة توازنها إثر مساعي بعض الدول "لاستيعاب أبعاد الأزمة الكورية، (مؤكدة) أنها لا تعدو عن كونها حرب كلامية وتبادل تهديدات بين النظام الكوري والرئيس الأمريكي ترامب"، فشاهدنا ارتفاعا ملموسا  في "أسعار الذهب والين الياباني على حساب بقية العملات وأهمها الدولار واليورو، ولكن وبعد سلسلة من التطمينات من قبل المسؤولين الأمريكيين ودعوة الصين الى التهدئة ومع عدم اتخاذ الطرفين أي اجراء تصعيدي جديد عادت الأسهم الآسيوية ومعها الأوروبية والأمريكية للارتفاع مجدداً".

هذا دفع بالكثير من المحللين لوضع مجموعة من السيناريوهات لتلك الأزمة والاحتمالات المتوقعة لها. من بين هذه الاجتهادات: برزت تلك التوقعات التي وضعها الكاتب في "شبكة النبأ المعلوماتية" مسلم عباس، نوه فيها إلى واحد من ثلاث نهايات يمكن أن تؤول لها الحرب الكلامية المستعرة بين واشنطن ، وبيونج يانج، يمكن اختزالها في النقاط التالية:

- السيناريو الاول: انزلاق البلدين إلى حرب نووية مدمرة، وما يدعم هذا السيناريو التصريحات النارية بين زعيمي البلدين.

- السيناريو الثاني: عودة الأمور إلى طبيعتها بعد انتفاء وظيفة (التأزيم)؛ حيث يتهم بعض المتابعين الرئيس الأمريكي بأنه صعَّد من مواقفه إزاء كوريا الشمالية؛ لأنه يريد تحويل أنظار الشعب الامريكي عن إخفاقات إدارته في الملفات الداخلية والخارجية، والتستر على سجل فضائح في إدارته لا نهاية له.

- السيناريو الثالث: بقاء الوضع كما هو عليه، حيث وصلت كوريا الشمالية الى مرحلة متقدمة عسكريا ما يصعب مهمة توجيه ضربة عسكرية ضدها، إلا أنَّ الولايات المتحدة سوف تبقي الأمور متوترة من أجل منع الكوريين من التمتع بالأمان والاستقرار.

الاحتمال الأكثر قربا للواقع هو مزيج من السيناريوين الثاني والثالث، بمعنى يحقق ترامب هدفه الرئيس وهو اختطاف أنظار الأمريكيين عن المشاكل التي ولدتها إرادته في السياسات الداخلية، واستمرار الوضع المتأزم بين البلدين على ما هو عليه، حيث لا تلوح في الأفق بارقة أمل نحو حل شال متكامل يضع حد للتوترات من جانب، وليس هناك ما يشير إلى إمكانية اندلاع حرب، وإن كانت محدودة بين البلدين، لأن ظروف أي منهما، بالإضافة إلى واقع العلاقات الدولية في الجرف الآسيوي لا تبيح ذلك.

هذا السيناريو يحقق المطلب الأمريكي الذي يركز على "عدم السماح لكوريا الشمالية بامتلاك سلاح نووي أو السعي لامتلاك وسائط لإيصال الأسلحة النووية، أي الصواريخ القادرة على حمل رؤوس غير تقليدية"، من جانب، ويصرف أنظار الأمريكيين عن إخفاقاته الداخلية من جانب آخر.

ولربما في إشارة واشنطن إلى أن مساعيها مع بكين كي تمارس شيئا من الضغوط كي لا توصل الأمور إلى طريق مسدود، وهو ما أفصحت عنه مؤخرا وزارة الخارجية الأمريكية بأن "لديها خيارين لا ثالث لهما: الأول أن تقوم بكين بالضغط على كوريا الشمالية، والثاني أن تقوم الولايات المتحدة بالهجوم على كوريا الشمالية"، فيه الكثير من المؤشرات على اللجوء إلى الخيار الأول.

قد ينجح ترامب في إعادة الأمور إلى الجبهة الأمريكية-الكورية الشمالية، إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الأزمة، لكنه لا يملك القدرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء عندما يتعلق الأمر بالأذى الذي الحقه بالاقتصاد الأمريكي، خاصة في قطاع تقنية الاتصالات والمعلومات. فمثل هذا التذبذب في سياساته لا يُشجِّع رؤوس الأموال الضخمة على التوجه نحو السوق الأمريكية فحسب، بل يدفعها نحو أسوق أخرى أكثر استقرارا، بما فيها تلك الأسواق الناشئة التي توفر فرص استثمار أفضل من تلك التي توفرها نظيرتها الأمريكية بفضل تصريحات مثل تلك التي أطلقها، ولا يكف عن تكرارها رئيس أكبر اقتصاد عالمي.

لقد وجَّه ترامب ضربات موجعة لذلك الاقتصاد، وليس هناك ما يشير إلى خلاف ذلك، أو يبعث على التفاؤل بأنه لن يكررها، بل ربما يقوم بما هو أسوأ منها.