تم قيد راتبك

مدرين المكتومية

من منّا لا ينتظر يوم نزول الراتب وكأنّه يوم نختصر فيه كل ما نريده من الوظيفة؛ وهي الرسالة البنكية المبهجة التي تقول "تم قيد راتبك" والبعض لا يريد من الوظيفة أعلى من ذلك، فهو لا يريد سوى زيادة في الراتب، ورسالة تأتي إليه في نهاية الشهر، لكنه لا يمتلك أفقا لتطوير وظيفته وتحقيق فائدة للمكان الذي يعمل فيه.

التقدم للوظيفة أصبح وسيلة للحصول على راتب، لكن كيف يمكن إعداد هذا الموظف ليكون أداة فعالة في التطوير والنمو؟

 كنا في الماضي نسمع من أقاربنا كيف كانوا يسعون لطلب العلم خارج عمان ويتعذبون في سبيل ذلك، وقد يلاقون بعض الصعوبات في العيش. لكن الآن كل ما يريده الفتيات والشبان هو الانتهاء من دراستهم للحصول فقط على شهادة، ليلتحقوا بوظيفة فقط لأجل الحصول على راتب، بينما في النصف تفقد الوظيفة معناها وتفقد الشهادة معناها ويفقد العمل ككل، فقط وجود موظفين يجلسون خلف طاولات يتظاهرون بالعمل بينما النتيجة أنّهم يعطلون أعمال غيرهم ويعطلون استثمارات ومشاريع بالملايين يمكن أن تنتهي في أسابيع محدودة ولا يتطلب منه إلا أن يبذل القليل من الجهد فقط.

هذا لا يتطلب فقط إحياء ضمير البعض الذي يمكن القول إنّه إلى حد ما غائب ولكنه يتطلب رقابة قوية وتشريعات قوية، ومقياس لأداء نعمل، وهو ما وعدنا به وزير الخدمة المدنية في قانون العمل الذي ننتظره ونتمنى أن يكون به قياسا للأداء وسبل للثواب والعقاب بحيث نحصل على حافز ورادع في نفس الوقت؛ حافز لمن يطوّر نفسه ويجتهد في عمله، ورادع لمن يذهب للعمل ليؤدي بعض الوقت، ويستحوذ على الكثير من الأموال العامة التي ربما لا تكون حلال بالنسبة له 100% لأنه لا يحلل هذه الأموال التي حصل عليها، فبمجرد أنّه تواجد على مقعد وفي توقيت معين تحت التكييف وأمام مكتبه لا يعني أنه أدى عمله. هذا الوعي والضمير يحتاج قانون الخدمة المدنية ولكنه يحتاج أيضا لوسيلة ما تضع الأسس والمبادئ وتزرعها في النشء منذ صغرهم في البيت والمدرسة والجامعة.

يجب أن تعزز التربية بتعليم الأبناء الفرق بين الوظيفة والعمل، فالعمل هو البحث والتحرّي لتحقيق الأهداف وهو المهارات التي تميز شخصا عن الآخر بحيث إن من يريد أن يكون صحفيا فيجب أن يمتلك ما يميّزه في المجال وكذلك في الصناعة، فبناء الشخصية من المنزل هي الوسيلة للوصول للوظيفة التي يطمح إليها الشخص، وتبعد الناس عن الاتكالية والنظر للوظيفة من منظور الراتب فقط، فالحياة ليست سحرية وكل ما تريده ستجده، بل عليك أن تصنع تحديا بينك وبين ما تريد حتى تصل إليه في نهاية المطاف، فبلدنا لا تنقصها الوظائف بقدر ما تنقصها إرادة العمل، خاصة وأننا في المرحلة المقبلة سنعيش بخيارات أخرى، فكثير من الوظائف ستنقرض مع حلول العالم التقني والتكنولوجي، وبالتالي سنضطر للانتقال إليها؛ وهذا أمر يجب أن ندركه قبل أن نصطدم به.

madreen@alroya.info