ملك للفن يرحل ويحمل معه تاجَ الابتسامة

حَمَد العلوي

كانوا ثلاثة عمالقة للفن والأدب، يتربَّعون عرش الابتسامة وصنع السعادة، فرحل أقربهم إلى النفس الخليجية، ولكنه ترك إرثاً عظيماً ستتمنى الأجيال التي أتت بعده، لو أنها عاشت زمنه، فهكذا تمنت أجيالنا لو أنها واكبت سيرته الفنية من بداياتها، وهذا الرحيل الذي مضى بالجسد والروح، خلَّف بعده للناس حزناً كبيراً، وألماً في النفوس النقية من ملايين البشر، وخاصة الخليجيون ذلك  لسهولة فهم اللهجة، ولا أقول الشعوب وحدها من أسف على هذا الرحيل، وإنما الناس جميعاً آلَمَهُم وأحزنهم فراقه، باستثناء الأجلاف وغُلظاء النفوس ممن أشقاهم ربُّهم، فظنوا أنهم يشاركون الله معرفة رضاه وسخطه، فأخذوا بزعمهم يحددون من وجب عليه دخول النار، ومن تفضلوا هم عليه أفسحوا له بكرمهم طرفاً من الجنة التي خصَّوا أنفسهم بها دون العالمين.

إذن، كان العمالقة الثلاثة الذين عشنا بعض زمنهم هم: عبدالحسين عبدالرضا، ودريد لحام، وعادل إمام، توزع وجودهم على ثلاثة أقطار عربية، ولكن كان خَرَاجُ فنِّهم العميق قد غطَّى خارطة الجغرافيا العربية كاملة، ينثرون لآلئ المحبة والبسمة والسعادة دون تمييز، فأسعدوا وأضحكوا العالم بفنهم، وأدبهم وفكرهم الرائع الرفيع، فكانوا أفضل الأساتذة لنشر المعرفة عن بُعد، بالنقد الجميل مع الابتسامة، وفائق التقدير والاحترام لكل الناس، لقد مثلُّوا لنا أعظم عمالقة المسرح، بالكلمة الحرة والثقافة الرفيعة الراقية، فهماً جديداً للنقد الشريف الموحَى بصورة غير مباشرة، فكان اللبيب يضحك ويستوعب الدرس، وكان غير اللبيب يضحك ملء شدغيه، ويكتفي بنسيان همومه اللحظية، إذن الكل كان كاسبا ورابحا بحضور مسرحيات هؤلاء العمالقة على وجه الخصوص، وإن كان غيرهم كُثر، ولكن دون مستوى القمم الثلاث هذه، وللحقيقة نقول: إنَّ كل من كان يحمل في نفسه كمية كبيرة من الحزن، والألم الذي يعتصر قلبه، ما كان عليه إلا أن يلجأ إلى مسرحيات أحد هؤلاء العمالقة الكبار، وحتماً سيجد ما يكسر حاجز الحزن والألم في نفسه ويطيب خاطره، فيضحك من أعماقه من خلال كلمة، أو حركة جسدية، أو حتى نظرة ساخرة؛ لأنه سيرى فيها ألف معنى ومعنى، فتزول عنه الهموم والأكدار، وترتوي نفسه بثقافة غزيرة المعاني، ويستنبط منها الكثير من الأهداف الموضوعية إن هو رغب.

لقد حملت راية الكويت عالية خفاقة بالعلم والثقافة يا أبا عدنان، مُضيفاً إليها راية مجلس التعاون الخليجي، وكذلك راية الأمة العربية بجدارة وإخلاص وإتقان، فنصحت أللاهون بالسفر والترف والغرور والبطر بمسرحية "باي باي لندن"، وألجمت المضللين بالكذب والخديعة في التجارة والأوهام الضالة الكاذبة بعرض "الأهرامات للبيع"، وأنذرت المضاربين المخدوعين بأسواق المال بمسرحية "سوق المناخ"؛ إذن هذه ثلاثة نماذج كلكم علمها، وضحك منها يوم عرضها، وهناك العشرات من المسرحيات الهادفة، ولكن القليل منا من اعتبر واتَّعظ، وحتماً الكل فرح بالعرض وابتسم، أو ضحك وحول الحزن إلى سعادة، حتى ولو لفترة وجيزة، إذن المرء الذي أسر القلوب بحبه من خلال إطلاته الرائعة عبر الإذاعة والتليفزيون والأفلام المسجلة، وأظن من أمثالي كثر ممن أحبوا الرجل وفنه، وذلك دون أن نلتقيه ولو مرة واحدة على الطبيعة، لقد أحبه الناس لله فلله، فإذا أوصانا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، أن نذكر محاسن موتانا كلفتة أخلاقية وإنسانية، كان من باب أولى أن نترحم عليهم يوم جفَّ قلمهم وطويت صحائفهم، وأن نطلب لهم من الله الرضا والقبول، وهو الربُّ الرحيم الغفور.

لكن من أشقاهم الله وأضلهم سواء السبيل، أشغلوا أنفسهم بما لا يعنيهم، فتقبَّحوا مع الناس كقبحهم عند ربِّهم، لأنه عز وجل لا يُشرك مخلوقاً في علم مشيئته، فهو إن شاء غفر لخلقه وأدخلهم الجنة فضلاً منه ورحمة، وإن شاء جعلهم خالدين في النار والعياذ بالله، مصداقاً لقوله تعالى:"اللَّهُ لاَ إِلَٰهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ولاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" (البقرة:255). إذن؛ ما نفهمه من الآية الكريمة، أن لا شيئاً يملك الناس لا في السماوات ولا في الأرض فالملك كله لله، ثم إن ليس هناك من شفيع إلا لمن أذن له الله بالشفاعة وحده، فكيف يُجيز بعض الناس لأنفسهم، أن يتحدث عن مشيئة الله، وهو نفسه "هذا الإنسان" لا يعلم إن كان غُفِر له أم لا، عجباً من إنسان ضعيف أن يزعم علمه بحكم الله الإلهي، فيزعم كذباً وبهتاناً إن فلاناً في الجنة والآخر في النار، وكأنه كان شاهداً على يوم الحساب.

نقول والحزن يعتصر قلوبنا على فراقك يا أبا عدنان إلى جنان الخلد بإذن لله تعالى، فقد غادرت الدنيا وأنت ملك متوج على سماوات الفن والكلمة الطيبة، ترحل وليس في عنقك قطرة دم لإنسان عليك، ولم تحمل في عنقك ذنب طفل شُرِّد من بيت أبويه، ولا كنت سبباً في ترميل امرأة، أو يتم أطفال نتيجة قسوة وغلظة وفجور في الخصام، أو غدر بدولة أو بشعب كان آمنا وفي دعة ينام الليل قرير العين، فيصبح مشرداً بلا أمل، بل أنت كنت الحاني بعطفك ولطفك الإنساني على الناس، وقد كنت تسهر الليالي حتى تعدُّ لهم ما يسعدهم، ويعلمهم كيف يتقون البوائق، فتقدم لهم النكتة المضحكة لكي لا يقعوا هم في نفس الخطاء. اللهم اغفر ذنوب عبدك عبدالحسين عبدالرضا، وتقبله قبولاً حسناً، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، إنك أنت السميع العظيم مجيب الدعاء، واغفر ذنوب موتانا جميعاً برحمتك الواسعة العظيمة، يا أرحم الراحمين.. آمين يا رب العالمين.