أسرى الكرامة

فِي وقتٍ انشغلَ فيه الجميعُ بملفَّاتٍ داخليَّة وخارجيَّة، تُوَاجِهُ القضيَّة الفلسطينيَّة خَطَرَ النسيانِ الأبديِّ، لاسيما وأنَّ الاحتلالَ الاسرائيليَّ الغاصبَ جاسمٌ على الأراضِي الفلسطينيَّة بثقلِ ترسناتِهِ التي لا تَتَوانَى عن قَصْف الأبرياء، وحَرْقِ المنازل وهَدْمِ القرى.. تتهدَّد القضيَّة الفلسطينيَّة الكثيرُ من الأخطار؛ لعلَّ في مُقدِّمتها ضَعْف الموقفِ التفاوضيِّ للطرفِ الفلسطينيِّ، في ظلِّ جبروتٍ وصلفٍ إسرائيليٍّ لا مثيلَ له، حتى أَعْتَى الغُزَاة في القرونِ الوسطَى لم يَصِل إلى ما وَصَلتْ إليه آلةُ القمعِ والحربِ الإسرائيليَّة.

ولعلَّ ما يُبْرِز هذه النقطة الأخيرة أنَّ الاحتلالَ الإسرائيليَّ أَسَر في شهر يوليو فقط نحو 880 فلسطينيًّا؛ مما يتسبَّب بذلك في ارتفاعٍ كبيرٍ في أعدادِ الأسرى الفلسطينيين القابعِيْن في سُجُون الاحتلال، ومِنَ المؤسِف ومما يَنْدَى له الجبينُ الإنسانيُّ أنَّ من بَيْنهم نساء وأطفالاً.. ولا شكَّ أنَّ مِثْل هذِه الخطوات النذلة تعكسُ جُبن المحتلِّ الذي يفوق الفلسطينيين العُزَّل قوَّة وسلاحا ونفوذا ومعلومات، لكنَّه ولإدراكه الداخلي بأنَّه مُغْتَصِب للأرض ومُنْتَزِع للحقوقِ الفلسطينيَّة يَخْشَى من ظلِّ الفلسطينيِّ إذا سار على الأرض، يَهَاب أطفالَ فلسطين إذا ما نظَّموا تظاهرة احتجاجيَّة رمزيَّة، يُطَالبون فيها بالإفراج عن آبائهم الذين رُبَّما أحدهم لم يَرَه، ولم يَنْعَم بحنانِ الأب بعدما حَرَمته منه قوَّات الاحتلال.

الإحصاءاتُ تقول إنَّ عددَ الأسرى الفلسطينيين في سُجُون الاحتلالِ يَصِل إلى 6400 أسير، جميعهم مُقيَّدو الحرية خلف أسوار أسمنتية شاهقة، ووسط إجراءات أمنية مُشدَّدة، يُعَانون القمعَ، ويُواجهون العنصريَّة الإسرائيليَّة البغِيْضَة، محرُومُون من أبسط حقوقِهم، الحق في مُحاكمة عادلة.

والاعتقالاتُ الأخيرة التي وَقَعتْ في شهر يوليو، غالبيتها العُظْمَى تمَّت في أعقاب الاحتجاجات التي نظَّمها الفلسطينيون في القدسِ المحتلةِ ضِدَّ الانتهاكاتِ الإسرائيليَّة بحقِّ المسجدِ الأقصى، ومُحاولتهم اليائِسَة لوضع بوَّابات أمنيَّة إلكترونيَّة؛ الامر الذي لقي اعتراضات شديدة سواء داخل فلسطين أو خارجها، لكنَّ المؤكَّد أنَّ الضميرَ الفلسطينيَّ المستيقظَ هو الذي وَأَد مُحَاولات الاحتلالِ فَرْض واقعٍ ظالمٍ ومُنافٍ للقوانين الدوليَّة ويتعارض مع الحقوقِ الفلسطينيَّة الأصيلة في المسجدِ الأقصى وكاملِ الأراضِي المحتلَّة.

حُقَّ لهؤلاء الأَسْرى أنْ يَرْفَعوا رايةَ الكرامة فَوْق جباههم، وأنْ يَفْخَروا بقدرتهم على زلزلة الأرض تحت أقدام أعدائهم وهم عُزَّل، لا يَمْلِكون إلا أصواتَهم التي تنفجرُ من حناجرهم لتقول لا في وَجْه من استحلُّوا الأرضَ والعِرْض، وتقول لا أيضًا في وَجْه من وَقَفُوا خانعيْن صَامِتِين.

تعليق عبر الفيس بوك