الاحتقان الاقتصادي والأزمة المالية

حمود الطوقي

تمضي بنا الأيام بخطوات مُتسارعة حتى أصبح الفرد منِّا يُفاجأ بعطلة نهاية الأسبوع وكأن عقارب الساعة تعلن التحدي لبني البشر عن المساحة المتحركة بين الإنجازات والإخفاقات التي تتم خلال الأسبوع والشهر والسنة . وهذه الفترات المتقاربة والمتباعدة جديرة بأن تكون محور تقييم خاصة في حالة وجود رؤية واضحة المعالم عن حجم المشاريع المعلن عنها سلفًا.

هذه وغيرها من القضايا كانت محور جلسة جمعتني بوجود المختصين في الشأن الاقتصادي بطالب الدكتوراه الخطاب آل سعيد، الذي يبحث في دراسته الأكاديمية عن مؤشرات الأداء الاقتصادي المحلي خلال العقد المنصرم . وأهم الإنجازات التي تحققت خلال رؤية عُمان 2020. شخصياً استفدت من تلك المداخلات والاستفسارات التي كانت محور الحديث من قبل الطالب العماني الذي هو على أعتاب نيل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من إحدى الجامعات البريطانية المرموقة.

وأنا أتابع باهتمام تلكم المداخلات استحضرت مُبادرة "تنفيذ" التي كانت أيضًا إحدى محاور طالبنا المجيد والباحث في الشأن الاقتصادي، بحلوه ومره وبإنجازاته وإخفاقاته. كانت مداخلتي مقتصرة على أهم المبادئ لرؤية عمان 2020 وأبرز تلك الأهداف بناء الإنسان العُماني وقد بدأت تتشكل هذه الرؤية منذ الخطاب الأول لجلالة السلطان أثناء توليه مقاليد الحكم في عام 1970 عندما خاطب جلالته -حفظه الله- شعبه الوفي قائلا: "سأعمل بأسرع وقت ممكن لأجعلكم تعيشون سعداء".

ولأن التنويع الاقتصادي كان ضمن محاور الباحث فكان لابد من الولوج للبرنامج الوطني " تنفيذ " ففي رأينا مرت 7 أشهر من انقضاء فترة برنامج "تنفيذ" وكان من المفترض أن نرى خطوات التنفيذ واضحة بالإعلان عن مشاريع تم إقرارها مع صدور التوصيات في مطلع العام الحالي 2017.

كما أشرت في مُقدمة المقال فإنَّ عجلة عقارب الساعة تتحرك بسرعة وبالنظر إلى الأشهر التي تفصلنا عن العام الجديد 2018 فهي فقط حوالي 5 أشهر، أي أننا على موعد مع عام جديد، ويجب أن نودع العام وقد حققنا ما تم الوعد به، ضمن سياق توصيات تنفيذ لتحقيق متطلبات التنمية الوطنية .

فكلنا مسؤولين ومواطنين تابعنا باهتمام الرؤية الحكومية لمستقبل السلطنة للتنويع الاقتصادي من خلال برنامج تنفيذ.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة وفي ظل إعلان الحكومة عن تسارع الخطى لتحقيق معدلات مرتفعة كبدائل حقيقية عن النفط أصبح غير مقبول التراجع عن هذه الطموحات خاصة وأنَّ الحكومة صرفت الأموال من أجل تجسير الصعاب وتفتيت العقبات. لقد اختارت الحكومة ألا تجعل النفط هو المصدر الوحيد للدخل، ولذلك لم نعد في سعة من الإنصات إلى حجج واهية وغير مقنعة تقودنا إلى طريق مسدود مفاده التراجع عمَّا وصلت إليه المخططات التي اشتركت عناصر كثيرة في وضعها.

لقد حملت السنوات الطويلة كثيرًا من صدمات التراجع بعد الإعلان عن تنفيذ مشاريع مختلفة، ومن دون إبداء أسباب، منها على سبيل المثال لا الحصر مشروع المدينة الزرقاء، ونظن أننا لم نعد نتقبل أي تأخير أو عرقلة ما أفرزته جهود برنامج تنفيذ خاصة وأن طموح البرنامج قادر على رفد الاقتصاد المحلي بمشاريع ذات صلة بالتنويع الاقتصادي من ناحية، وعلى استقطاب كوادر بشرية عمانية وقوى عاملة وطنية من ناحية ثانية، وأصبح من الملحّ دعمها ودفعها نحو تحقيق ما تصبو إليه، ما دام ذلك يصبّ في مصلحة الوطن والمواطن.

فبرنامج تنفيذ الذي أعلن حدد المساهمة الحكومية بنسبة 20% فقط، لن يثني بعض الشركات والمؤسسات الجادّة التي ستكون نسبة مساهمتها في المشروع المعتمد من تنفيذ هي 80%، لأنها تدرك حجم المسؤولية والتنافسية التي تقع على عاتقها، لذلك بات جليّاً أن تنفيذ يمكنه أن يقود قطار المستقبل بدءًا من العام المُقبل.

نرى كمتابعين ومراقبين أن تحقيق متطلبات تنفيذ جزء لا يتجزأ من متطلبات الشباب الذي نعتقد من الضرورة إعطاءهم- وأقصد هنا رواد/ ورائدات الأعمال- فرصهم التي تتناسب مع طموحاتهم، وخاصة هؤلاء الذين ضحوا بوظائفهم الحكومية وأسسوا مؤسسات صغيرة ومتوسطة رغبة منهم في رفد قطار الاقتصاد، وهذا لن يحصل إذا ظلت وجوه الفساد تطلّ بين فترة وأخرى، ولن يُقدّر لهذه الشريحة الشابّة الاستمرار إذا نافس الكبارُ الصغار من دون نظرة عميقة إلى أن المستفيد من العمل بجناحين هو الوطن ذاته.

إنَّ اليقين الذي يسكننا دائماً هو الإخلاص الصادق بالعمل والابتعاد عن المصالح الشخصية وجعل الوطن الهدف الأسمى في خططنا ورؤيتنا وإذا كان هذا الإحساس صادقاً حتما سنتخطى الصعاب وسنحقق ما نصبو إليه من أهداف وآمال وهذا يستدعي العمل على جعل المستقبل أقل وطأة مما هو عليه الآن، إذا نظرنا إلى الطرق والوسائل الممكن تحقيقها عبر التنافسية وجذب الاستثمارات الخارجية وتوظيف الإمكانات البشرية العمانية الشابة التواقة إلى العمل والبناء والإنجاز.

نقول في ختام هذا المقال لم يعد من مجال الآن للتفكير في شيء آخر إذا أردنا حقًا أن نتخطى الأزمة ونحقق معدلات متقدمة في التنويع الاقتصادي سوى الاستفادة من مُخرجات تنفيذ، وليكن شعار العام المقبل 2018 هو (عام التنفيذ بلا تقاعس والعمل على تحجيم الأزمة الاقتصادية الخانقة".. فهل سننجح؟!