الألغاز العربية الكبرى

 

مسعود الحمداني

(1)

أسئلة كثيرة ولدت معنا، وعرفنا إجابات بعضها متأخرين..

كنا نتساءل عن هذا الكم الهائل من الأسلحة التي يشتريها العرب من الغرب منذ سنوات بعيدة بملايين ثم بمليارات الدولارات.. لماذا ولمن توجَّه؟..كُنَّا نعتقد ـ فيما نعتقد ـ أنَّها تخزن في مخازن الحكومات العربية لكي تدافع بها عن نفسها تجاه الأعداء، أو لتوجه في يوم ما إلى "الكيان الإسرائيلي" الذي اغتصب فلسطين.. رغم أنَّ طلقة واحدة لم تطلق منذ أربعين عامًا أو تزيد من بندقية عربية تجاه "الأراضي المُحتلة"..

بعد سنوات اكتشفنا أنَّ العقول العربية العبقرية تكدس الأسلحة لشيئين: إما لتضرب شعوبها.. وإما لتطلق نيرانها نحو "أعدائها" من "الأشقاء"!!.

(2)

كنُّا نتساءل عن النفط العربي.. وإلى أين توجه الأموال العربية..

كُنا نعتقد أنها موجهة للتنمية في تلك الدول، أو لأعمال البر والخير في دول أخرى، أو لنصرة الشعب العربي في فلسطين، وأنها أموال طيبة، من رزق طيب، اكتشفنا متأخرين أنَّ معظم هذه الأموال تذهب إما: إلى جيوب المسؤولين.. وإما لتمويل جهات معينة سميّت لاحقًا "إرهابية"، وإما إنها تذهب عبر وسيط إلى إسرائيل لتضرب بها "المُقاومة" الفلسطينية.

(3)

اكتشفنا متأخرين أنَّ "المقاومة العربية" تفصّل حسب مقاسات مفاهيم ومصالح الحكومات، حتى وإن بدا الأمر مخزيًا، ولكنها لعبة "الكراسي" التي لا تقبل القسمة على اثنين، أصبحنا نرى أن كل القوى التي تُدافع عن الأرض المقدسة هي مجموعات إرهابية، وأنَّ كل مقاتل عربي يُقاتل أبناء شعبه ودولته هو "وطنيّ شريف" بشرط أن يكون انتماؤه لإحدى الدول الداعمة له..

فما هو "وطنيّ" بالنسبة لي قد يكون إرهابياً بالنسبة لغيري.

(4)

أصبحت جامعة الدول العربية مُسيّسة، ومشلولة، وعالة على الجسد العربي المثخن بالجراح، لم نعد نسمع صوتها إلا حين يُراد لها أن تصدر قراراً بالإجماع للقيام بعمل عسكري ضد دولة عضو، أو حين يُراد لها أن تحاصر نظامًا عربيًا، أما في غير ذلك فإنها تطبّق الحكمة القائلة: "لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم"..

(5)

كُنَّا نعتقد إلى وقت قريب أنَّ العدو الرئيسي للمسلمين هو (إسرائيل)، ولكننا اكتشفنا أنَّ العدو الأول لدول عربية هو إيران، وأنَّ إسرائيل صديق صدوق ومُخلص لبعض الحكومات العربية، لذلك فإنَّ فوهات المدافع يجب أن توجه نحو كل ما له علاقة بالعدو الحقيقيّ!!..

اكتشفنا متأخرين أنَّ السياسة لا صداقة لها.. وأن الكراسي وحدها هي من تحدد العدو.. وليس المصلحة الوطنية والقومية.

(6)

اكتشفنا أشياء كثيرة متأخرين، وذلك يعني أنَّ "الألغاز الكبرى" لن تبقى دائمًا حبيسة الظلام، وأنها تفضح نفسها بنفسها حين يحين قطافها، ولذلك ما عاد الذهن العربي يستغرب شيئاً مما يحدث أو سيحدث لأنه أصبح أكثر قبولاً لما تمليه عليه حكوماته، وأكثر تقبلاً لما يحاك له في دهاليز المخابرات العربية والأجنبية.

Samawat2004@live.com