د. راشد بن علي البلوشي
يعرف العالَمُ العالِمَ الإنجليزي السير إسحاق نيوتن بقانون الجاذبية الأرضية وبأبحاثه ودراساته في مجالات الفيزياء والرياضيات وبقوانينه الثلاثة المتعلقة بالحركة والقوة. في ما يلي سوف نطرح قانون نيوتن الثالث وسوف نشرح كيف تنبأ بما يحدث الآن في العالم من عنف وإرهاب وتطرف وتخبط سياسي ونزاعات وقلاقل، وهي أشياء استغرب لحدوثها الكثيرون وجرمها الجميع محقّون.
يقول قانون نيوتن الثالث إن "لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار ومعاكسة له في الاتجاه". ولأن نيوتن وأبحاثه وقوانينه وما طرأ عليها من تطوير وتطبيق في مجالات عدة (كصناعة الطيران والفضاء والمركبات والأسلحة وغيرها..) أتتنا من الغرب، فإنا كنا نتوقع أن يلم الغرب بجميع التطبيقات الممكنة لقانون نيوتن الثالث، ولكن يبدو أن ذلك خلاف ما حدث.
باختصار، فإننا نقول بأن ما يشهده العالم الآن (وهو امتداد لما شهده العالم في العقدين الأخيرين من تطرف وإرهاب) إنما هو "ردة الفعل" على "الفعل" الذي قامت به القوى الكبرى في العالم الغربي على مدار القرنين الماضيين من ظلم وقهر وقمع واستعمار واغتصاب للأراضي والثروات وتحكم واحتلال لكثير من بلدان العالم (العربي والإسلامي).
فمن هذه الدول من احتل المشرق العربي (وعاث فسادا في العراق مثلا) ومنها من احتل المغرب العربي (وعاث فسادا في الجزائر وغيرها) ومنها من احتل الشمال العربي (وعاث فسادا في سوريا) ومنها من احتل الهند (ومنها باكستان تاريخيا) وأفغانستان، ومنها من أعطى أرض فلسطين لليهود ومكنهم من استعمارها، ومنها من يوفر الغطاء السياسي والعسكري للتجاوزات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان (و سوريا حاليا) ومنها من تدخل عسكريا في القرن الفريقي ومنها من تدخل سياسيا لإضعاف الامبراطورية العمانية وتقسيمها، ومنها من قام بنهب ثروات وموارد العرب والمسلمين على مدى قرون، ومنها من أدخل النباتات المخدرة (الأفيون والقات والحشيش) إلى دول الشرق الأوسط، ومنها من تعاون لإسقاط أنظمة عربية سقطت بسقوطها الدول وتشتت الشعوب وعم الخراب والدمار والمرض والجهل دولا كانت واحات للسلام والعلم و العمران، ومنها من أشعل نار الفتنة بين شعوبنا وطوائفنا لإيقاد نار الحروب حتى تستمر عجلة الإنتاج في مصانعهم الحربية، ومنها من أعطى نفسه حق الانتداب أو الاحتلال أو الوصاية على كثير من أجزاء العالم العربي والإسلامي تحت شعارات ومسميات مختلفة (كالدين والديمقراطية والتقدم والحداثة وتصدير الثورات).
ولكنّ السياسيين المحنكين الذين كانت ولا تزال تزخر بهم كثير من هذه الدول لم يتنبأوا يوما بأن ما "فعلته" حكوماتهم وجيوشهم على مدى القرنين الماضيين (وربما قبل ذلك، بدأً من الحملات الصليبية) بالعرب والمسلمين سوف تكون له "ردة فعل". وذلك ربما لأنّ قانون نيوتن الثالث يختص بالفيزياء وليس بالسياسة. ولكني شخصيا لا أظن أنّ هؤلاء السياسيين المحنكين لم يتوقعوا ردا على ما كادوه وما فعلوه ببلاد العرب والمسلمين (وغيرها) من إيقاد لنار الفتنة وقمع ونهب للثروات وظلم راح ضحيته الملايين على مدى القرنين الماضيين (على الأقل)، ولكن حنكة هؤلاء السياسيين غلبت عليها المصالح المادية فلم ترتق إلى مستوى فهم وتطبيق قانون نيوتن الثالث، ولكنها ربما مكنتهم من العمل بمبدأ المثل القائل "عامل الناس كما تحب أن يعاملوك" "Do as you would be done by". ولكنهم ظنوا أن الشعوب المغلوبة على أمرها لن تستطيع أن تلحق ضررا بالقوى الاستعمارية الاستبدادية، ببساطة لأن الشعوب المغلوب على أمرها ضعيفة مسلوبة الإرادة منهوبة الثروات والدول الاستعمارية قوية، تزداد قوتها يوما بعد آخر بما تسلبه من ثروات الشعوب الضعيفة وكذلك بما تكرسه من ضعف في جانب هذه الشعوب من خلال بث روح الفرقة والعداء بين مكوناتها الاجتماعية والدينية. وبهذا فقد جانبوا الصواب حيث إن تخطيطهم خالطه الطمع وغلبت عليه المكاسب المادية، فلم يتضمن من الحكمة ما تضمن من الحنكة والدهاء.
- أستاذ اللغويات المساعد جامعة السلطان قابوس