إعلام ضائع وأقلام تنحدر

 

مسعود الحمداني

في الحرب العراقية الإيرانية وقفت دول الخليج مع العراق بكل ما أوتيت من قوة، وسجّل إعلامها مواقف لا تنسى في مساندة صدام حسين، وكالوا له المديح، ووصفوه بأنّه (سيف العرب)، ودبج الشعراء القصائد الحماسيّة في (الرئيس البطل)، وبعد أن انتهت الحرب، ونشبت الخلافات بين العراق وتلك الدول، ودخلت القوات العراقية الكويت، انقلبت الآية رأسا على عقب، وجندت نفس وسائل الإعلام تلك كل كتّابها، وأدواتها، لشتم الرئيس العراقي، لدرجة أن بعض الصحف والمجلات أفردت حلقات مسلسلة تقدح في نسب صدام وبنوّته!

الآية لا تختلف كثيرا اليوم، فالإعلام الخليجي يلعب دوره في تأزيم العلاقات، وتأليب الرأي العام على بعضه، وتلفيق الحكايات، والقصص والنيل من الأعراض الشخصية لحكام كانوا إلى الأمس القريب يتفاخرون بأنّهم (أشقاء)، إلا أنّ الأزمة (القطرية ـ الرباعية) أظهرت إلى أيّ مدى يتم استخدام جيوش الإعلام لخدمة مصالح الأطراف، وكيف يتحول الصحفي أو الكاتب من موقف النزيه والمحايد، إلى موقف بغيض في آرائه، وكتاباته، وخصومته، فلا هو التزم الصمت فسلم الناس منه، ولا هو ساق الأحداث بحيادية دون انحياز فكان أكثر احتراما لنفسه.

الإعلام العربي ما زال غير قادر على أن يكون نزيها وعادلا، رغم أنّه قادر وبامتياز على حقن العقول البسيطة بالكراهية، والبغضاء، ولم تستطع أي وسيلة إعلام عربية أن تظهر شجاعتها بالنبل في الخصومة، وأظهرت الشاشات الفضائية (نجوما) جددا لا يمتلكون ذرة مهنية، ولكنهم يمتلكون كل أدوات الحقد، ولديهم الإمكانية للتحول من موقف إلى موقف مناقض خلال ساعة واحدة فقط، المهم من يدفع أكثر، أو أين تكمن مصالحه، وأين يمكنه أن يُظهر قدراته الخارقة في السباب، والكذب على الآخرين.

قال (جوبلز) وزير الدعاية في عهد هتلر مقولة أصبحت درسا لكل الإعلام المسيّس، والموجّه، يقول فيها: (اكذب اكذب، فحتى لو لم يصدق الآخرون كذبتك، فلا شك أنها ستترك أثرا..)، وهذا ما تفعله كثير من أجهزة الإعلام العربية المنخرطة حتى النخاع في السياسة، ولم تستطع أي دولة عربية أن تًخرّج قناة محايدة طيلة تاريخها، حتى وإن توهمنا أنه صدرت في يوم ما قناة اعتبرها الكثيرون طوق النجاة للإعلام والإنسان العربي، غير أنّ هذه القناة سقطت ـ كغيرها ـ في فخ المزايدات السياسية، والمراهنات الإيديولوجية، فتخلت عن تلك المهنية التي توسّمها المتابع العربي فيها ذات يوم، ناهيك عن قنوات أخرى خاصة أو حكومية لم تخفِ انتماءاتها السياسية والطائفية منذ نشأتها، فصدعت تثير كل أنواع الفتن، والكراهية بين العرب.

الإعلام العربي في أزمة حقيقية، مهنيا، وأخلاقيا، شأنها شأن الكثير من الكتاب والمثقفين العرب الذين انحدروا إلى قاع السفاهة، والسطحية، وزجوا بأنفسهم في أتون حرب لم تكن يوما لهم، ونسوا كتاباتهم عن العروبة، والوحدة، وغيرها من شعارات قضى عليها الزمن، وثبت استحالة تطبيقها في الحالة العربية الراهنة، فتحولوا بأقلامهم ليقولوا كلمة باطل في زمن لا حق لهم فيه..

ليس هناك أسوأ من إعلام لا يعرف إلى أين يتجه، وإلى أين يسير.. تمامًا كما يفعل الإعلام الخليجي والعربي في رهانه الحالي على اللاشيء.

[email protected]