11 مليون ريال لتمكين المرأة الريفية أين ثمرتها؟!

 

زينب الغريبية

بدعوة من رئيسة مركز ظفار لرائدات الأعمال، كنت نهاية الأسبوع الماضي في حلقة حوارية في محافظة ظفار، حول تمكين المرأة الريفية، كان تجمعا مثمرا، حيث استعرض فيه المسؤولون المشاريع المقدمة للنساء الريفيات في المحافظة، وحتى أنني لا أستطيع ذكرها نظرًا لكبر الأرقام التي ذكرت في مجالات عدة وصلت للآلاف بل ولعشرات الآلاف، وما صدم الجميع مبلغ 11 مليون ريال عماني خلال السبع سنوات الأخيرة الماضي كدعم لمشاريع المرأة الريفية.

كان حضورا كبيرا، معظمه من النساء، فالموضوع مهم جدًا لهن، نساء متحمسات لصناعة شيء ما لهن، أخذ الموضوع أبعادًا مختلفة، ونقاشات مستفيضة، وحوارات بين الحضور والمتحدثين في الحلقة على المنصة، خلاصة الموضوع، هناك توجيه من الدولة نحو تمكين المرأة والأسرة الريفية، ورفع كفاءتها، ولكن تبقى طريقة التنفيذ، ومدى جدية المستفيدات.

كثرت الشكوى على قلة الدعم، وتعقيد موضوع التمويلات، وكثر الدفاع من قبل المسؤول في المقابل عن توفر الدعم وتوفر التمويل، مع ضرورة اتباع الإجراءات الرسمية الروتينية، التي لو وفّرت مستلزماتها كاملة من قبل المستفيد فإنّ الإجراءات ستكون سهلة وسلسة، وبدأ بذلك عدم التوافق المعهود بين المستفيدين من الخدمات والمسؤولين.

يبدو أنّ الموضوع يحتاج لشيء من التفنيد، والوقوف على جميع أقطابه دون الانحياز لجهة معينة من طرفي الحوار، طالما هناك أموال مرصودة لتمويل مثل هذه المشاريع التي ستكشف عن مناجم الأرياف؟ وستنقل البلاد نقلة حقيقية في مجال الاكتفاء الذاتي الغذائي من الزراعة واللحوم والألبان ومشتقاتها والدواجن، وستحقق استقلالا اقتصاديا للمرأة الريفية، وتنهض بمستوى الأسرة الريفية الاقتصادي وما سيترتب عليه من نمو ثقافي واجتماعي، إذن وجب علينا أخذ الموضوع بعين الاعتبار وتركيز الجهود عليها، بل وزيادة الدعم له، لأنّه مفتاح سحري لأزمة اقتصادية تزداد سحابتها قتامة يوما بعد يوم.

صرف أحد عشر مليون ريال عماني في غضون سبع سنوات لتنمية المرأة الريفية ودعم مشاريعها، ليس بالمبلغ الهيّن، وهنا يتضح عدم وجود قصور في الخطة التنموية من هذا الجانب، إلا أنّ الخلل يقع في طريقة التنفيذ، واختيار النساء القادرات بالفعل لأداء المهمة، فقبل التطبيق من الأحرى توعية سكان الريف بهذه المشاريع، وما الهدف منها، وضرورة استمراريتها، وماذا تعني الاستمرارية والاستدامة، وماذا من الممكن أن تحدث لهم فرقا في حياتهم ونمط معيشتهم، ودخلهم، ونتائجها على الوطن بشكل عام. وهذه التوعية تحتاج أن تعمم على كافة الأسر والأشخاص في المجتمع الريفي، نساء ورجالا شبابا وكبار سن، وذلك من أجل تكاتف الجميع لدعم المشاريع النسوية هذه، فهي لتمكين الأسرة الريفية بشكل عام، انطلاقا من دعم أساسها المتمثل في الأم.

التوعية والتثقيف يعقبهما تدريب على ممارسة العمل بشكل علمي عملي، وبتقنيات صحيحة، وتوفير الآلات والمعدات اللازمة لقيام المشروع ومضيه، فمثلا تربية الماشية والأبقار، تدرب النساء على كيفية ترتيب الحظائر بطريقة علمية صحيحة ونظيفة، وكيفية الاعتناء بالحيوانات وغذائهن الصحيح، وكيفية الاستفادة من الحليب، ثم  توفير الآلات الحديثة المساعدة في استخراج الحليب، ثم آلات لتصنيع منتجات الألبان من لبن وروب وسمن ولبنة وقشطة وكريما وأنواع الأجبان، وغيرها، ثم كيفية تعليب هذه المنتجات بطريقة نظيفة وجذّابة، وبعدها تأتي مرحلة التسويق.

التسويق هذه المرحلة الحرجة، حيث استمرار الإنتاج وتوسعه يعتمد على المردود منه، والتسويق يبدأ بمساعدة الأسرة الريفية بإيجاد سوق محلي في البداية لإنتاجها في المتاجر الاستهلاكية الكبيرة، وفي الفنادق، حتى في البقالات الصغيرة في حارات المدن والقرى، وفي المطاعم، بأن توضع تشريعات وقوانين لكل هذه الشركات والمؤسسات لدعم المنتج المحلي وتشجيعه، وتقديمه على المنتجات الأخرى، فلو تحقق التسويق الصحيح واتسعت دائرته؛ فإنّه بالتالي ستتسع كمية الإنتاج وستتحقق الاستمرارية.

نظريا هكذا سنصل إلى الهدف وتحقيق الاكتفاء الذاتي للريف والمدن، والدولة شكل عام، وسنتخطى كذاك الحدود، ولكن الواقع مليء بالتحديات، فما مدى استعداد الأسر الريفية للعمل؟ والاستمرارية فيه؟ وما مدى جدية القائمين على تنفيذ المشروع في تحقيق النتائج الصحيحة وتحمل جميع العقبات والتحديات وتذليلها، الأمر لا يحتاج إلا إلى إخلاص في العمل من جميع الأطراف، والجدية، والتحلي بالأمانة والصدق في العمل، وأن يتكاتف الجميع من أجل بناء الوطن، وأن ننقب مناجم الريف لاستخراج الخير المكنون في بلادنا، ونتعاون من أجل تصنيعه والرقي به، وتحويل أريافنا إلى معامل ومختبرات وورش عمل، وهذا الشيء ليس ضربا من الخيال، ولا حلما بعيد المنال، ولكنه إرادة لو وضعت في مكانها، ومُكِّنت فستتحقق.