الزواج جماعي.. والتكلفة في ازدياد

زينب الغريبية

شهدتْ الأسابيع الماضية كثيرًا من حفلات الزواج الجماعي في مُختلف ولايات السلطنة، وهو توجُّه قام به البعض كمبادرة لتخفيف نفقات الزواج؛ وذلك من أجل استقطاب دعم اقتصادي من شركات القطاع الخاص، وكذلك دعم فئات المجتمع، ولكن بالفعل هل قاد هذا النهج إلى جعل حفلات الزواج أقل كلفة وأكثر رشدا؟ هذا هو الوقت الذي يمكن أن نطرح فيه هذا السؤال ونفكر في جدوى ما يجري، وهل بالفعل حقق الهدف الذي يأمل منه الجميع وهو الحد من المغالاة في تكاليف الزواج التي تثقل كاهل الجميع من عدة نواحٍ؟ من الجوانب المادية، والوقت الذي يُستهلك في التحضيرات والترتيبات، نعم حفلات الزواج الجماعي خفَّفت جزءًا من نفقات الحفلات المخصصة للرجال، ولكن لم تخفف أي شيء من المهور أو الحفلات المخصصة للنساء؛ مما يعني أنَّ الشباب المقبلين على الزواج ما زالوا يتحمَّلون كلفة كبيرة في أوضاع اقتصادية متغيرة وصعبة؛ حيث الغلاء يتنامى، وحيث الوظائف متوقفة، فكيف يمكن أن نعالج هذه المسألة بشكل فكري ثقافي يقوم على تقديم نموذج حي يقتدي به الجميع، ولتكن حفلات الزواج الجماعية هي البداية لأنها أيضا تكون محطة لاتفاق كبير غير موظف بشكل جيد ويقود إلى ترسيخ ظاهرة البذخ المادي.

المُقترح الذي أودُّ أن أطرحه: هل يُمكن أن يُوجه ما ينفق على حفلات الزواج الجماعي من تكاليف لا أخالها قليلة إلى مساعدة العرسان ماديًّا من خلال تقسيم المبلغ المتوفر عليهم بالتساوي، لكي يُساعدهم في الإنفاق على الحفلة النسائية، أو يمكن أن يستثمر ذلك في كل ولاية إلى بناء قاعة يتم فيها عمل الحفلات مجانا، بدلا من اضطرار العرسان لحجز قاعات مكلفة؛ وبذلك نمضي في معالجة هذه المسألة بشكل يستفيد منه الشباب بشكل أفضل من الوضع الحالي الذي يتم فيه استقطاب دعم من شركات وشخصيات اجتماعية، ولكنه ينفق على حفلات يحضرها عدد كبير من أبناء الولاية، ولو تمَّ الكشف عن تكاليف الحفلات التي جرت بشكل متزامن خلال الأسابيع الماضية سيتضح لنا أننا قمنا بتطوير التنظيم، إلا أنَّنا لم ننجح في تخفيف الكلفة التي لا تزال عالية تتباين من مكان الآخر لكنها تضغط على الشباب وأسرهم.

أعجبني كثيراً ما قامتْ به فتاة أمريكية تُدْعَى سارة كومينس؛ حين قامت بإلغاء حفل زواجها بعد أن كانت قد خصَّصت له 30 ألف دولار، وفكرت كيف يمكن أن تنفق هذا المبلغ على مدعوين لديهم اكتفاء، فقررت أخيرا أن تنفقه بطريقة إسلامية رغم أنها لا تعرف عن القواعد والمبادئ الإسلامية في عدم تفضيل الإسراف ودعوته إلى الوسطية في الإنفاق في أوجه معينة -منها الإنفاق على المحتاجين- لذا ذهبت إلى مأوى للفقراء والمشردين وأحضرت نحو 150 شخصا من هناك، وأقامت لهم وليمة العرس؛ وبالتالي قدمت نموذجا يحتذى في استثمار الأموال التي تنفق على حفلات الأعراس بدون رشد.. هل يمكن أن يكون هذا خيارا يتم من خلاله بالتبرع بالمبلغ المخصص لجمعية خيرية؟ وأنْ تتأسس الأسرة على نهج خيري بدلا من أن تتأسس على بذخ وإسراف؟ أتصور أن الأمر يستحق التفكير بحيث يكون هناك حراك اجتماعي في هذا الشأن سواء بالتبرع بنفقات الحفلات ليستفيد منها آخرون محتاجون أو من خلال استثمارها في إقامة أشياء مستدامة يستفيد منها الشباب المقبلون على الزواج بشكل مستمر، وربما تكون نواة لصندوق الزواج الذي كان حلما ولم يقم لأن التصور الذي قدم له صورة بأنه يحتاج إلى عشرات الآلاف والموظفين والنفقات الإدارية، ولم يقدم على أنه صندوقا يُمكن أن يبدأ بطريقة بسيطة قد تكون بالأموال التي توجه لحفلات الزواج الجماعية، وبعد ذلك تتنامى من خلال الاستثمار المستمر في نواحٍ تجارية.

لا شكَّ أنَّ النقاشات المستمرة من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وأيضا في المجالس الاجتماعية من قبل القوى المؤثرة في صياغة التوجهات الاجتماعية، والتأثير فيها، سوف يُساعد على مُواصلة الجهود التي بدأت من أجل التقليل من نفقات الزواج، وأقترح بعد هذه التجربة التي تشهد توسعا من عدة سنوات، إجراء دراسة علمية على تكاليف الزواج بمختلف أشكالها، والخروج من ذلك الواقع إلى بدائل تقود الانتقال إلى مُبادرات استثمارية يُمكن أن يستفيد منها الشباب على نطاق أوسع، وتكون مستدامة وليست وقتية.