المستشفيات الحكومية والفاقد من الخدمات

 

مسعود الحمداني

آلاف المواطنين يسافرون خارج الدولة لتلقي العلاج، ويتكبدون في سبيل ذلك الكثير من المال، بل ويقترض أكثرهم لكي يُحظى بفرصة جيدة للتشخيص والعلاج والمعاملة المتميزة، فصحة الإنسان هي أغلى ما يملك، والمستشفيات الحكومية ـ من وجهة نظرهم ـ لا تقدم لهم ما يحتاجونه من رعاية طبية، لذلك يلجؤون إلى البديل المكلف ماليا ولكنه الأفضل نفسيا وصحيا كما يرون.

ويعتقد الكثيرون أن طوابير مواعيد العلاج في المستشفيات الحكومية طويلة تصل إلى الأشهر، وبطيئة للغاية، وحالات كثير منهم لا تحتمل كل هذا التأخير، فكل يوم قد تسوء الحالة، وتتعقد، لذلك يبيع الكثيرون ما يمتلكون، ويشدون الرحال إلى مستشفيات الهند وتايلاند وغيرهما ليحصلوا على ما يحتاجونه من رعاية، ولعلّ في حصيلة تلك الرحلة العلاجية المعاملة التي يحتاجها المريض من بشاشة وترحاب وخدمات متميزة تشعرهم بالراحة النفسية التي يحتاجها المريض، وهي إحدى سبل الشفاء.

لقد استطاعت هذه الدول أن تؤسس للسياحة العلاجية، وأوجدت لذلك كافة السبل الكفيلة لتجتذب المرضى من السلطنة وغيرها، وفازت بثقة الناس الذين يلجؤون إليها كلما ضاقت بهم سبل العلاج في أوطانهم، وفي مقابل ذلك تخسر السلطنة ملايين الريالات سنويا من علاج مواطنيها في الخارج، لذلك لا بد من وقفة جادة مع هذه الحالات، ودراسة الآلية التي تعمل بها تلك المستشفيات في الخارج، وتطبيق ما يمكن تطبيقه لكي تستعيد المستشفيات الحكومية ثقة الناس، وتُبقي أموال مواطنيها في داخل الدولة، خاصة ونحن في فترة نحتاج إلى كل ريال لإنعاش الاقتصاد وعودته إلى حالته الطبيعية المستقرة، بدلا من وقف العلاوات والترقيات، وزيادة الضرائب.

فالمُستشفيات الحكومية لدينا تحتاج إلى العقليات الإدارية التي يمكن أن تحوّل المستشفيات من مجرد (مستنزف) لأموال الدولة إلى (مورد) للخزينة، وذلك عن طريق العمل على التوسّع في إنشاء الغرف الخاصة في المستشفيات والتي يبحث عنها المرضى في كل المحافظات ولا يجدون أمامهم إلا غرف العزل التي هي الأخرى غير متوفرة في معظم الأوقات، فالناس لا يهمهم المال مقابل خدمة علاجية متميزة، وراحة نفسية يشعرون بها، وهذا في رأيي مقترح عملي سيزيد من توجه المواطنين للمستشفيات الحكومية، ويعمل على توفير فرص عمل للكوادر التمريضية، إلى جانب أنّه سيكون دخلا إضافيا للحكومة.

إنّ المواطن الذي يتوجه للمستشفيات الخاصة يجد (الرعاية النفسية)، والوقت الكافي ليشرح للطبيب طبيعة مرضه، كما أنّ الطبيب المعالج يجد متسعًا من الوقت لنيل ثقة الحالة التي يعالجها، رغم أنّ كثيرًا من أطباء المستشفيات الخاصة في السلطنة هم أنفسهم الأطباء العاملين في المستشفيات الحكومية، بل وينصح بعضهم مرضاه بالتوجه للمستشفى الخاص الذي يعالج فيه ليجد معاملة مختلفة هناك.. وفي هذه الحالات على وزارة الصحة أن تدرك هذا الوضع، وتضع الحلول المناسبة التي بموجبها يعطي الأطباء جهدهم وإخلاصهم للمستشفى الحكومي الذي يعلمون فيه، بدلا من تركيز جهدهم على المستشفى الذي يتقاضون منه أجرا إضافيا، فذلك سيعمل على تحسين جودة العلاج في المستشفيات الحكومية، وسيحد من النظرة التجارية لبعض الأطباء لمهنته.

وفي جانب ثالث على وزارة الصحة أن تكثف دورات التعامل النفسي للكوادر التمريضية والتمريضية المساعدة للتصرّف بشكل أكثر تحضرًا ومسؤولية مع المريض، بدلا من اللغة والتعامل الجاف الذي تتعامل به بعض هذه الكوادر، وهذا في حد ذاته يشكل ضغطا نفسيا على صحة المراجع.

إنّ إعادة النظر في آلية العمل في المستشفيات الحكومية هام جدا لإحداث فرق تستطيع من خلاله الدولة أن تحافظ على الفاقد من المرضى الذين يذهبون للعلاج خارج البلاد، كما أنّه ضروري من أجل نشر مظلة الخدمات التي تعمل وزارة الصحة جهدها لكي يتمتع به كل مواطن ومقيم على هذه الأرض الطيبة.

 

samawat@004@live.com