حَمَد العلوي
لقد نَجَحَتْ جامعة السلطان قابوس -وبعض الجهات العلمية الأخرى في السلطنة- في إنشاء شبكة واسعة من مُستقطبات السحب، فقد وزِّعت هذه المستقطبات على قِمَم الجبال الشاهقة، وبُذلت جهود كبيرة من قبل العلماء لإيجاد طريقة جديدة لتلقيح السحب بالأيونات الكهرومغناطيسية، وكان هذا النجاح باهراً ومحسوساً من قبل الجميع، وذلك على مدى الأعوام القليلة الماضية، فقد لمس الأهالي في منطقة الظاهرة -على سبيل المثال- أنَّ هناك فارقاً كبيراً في كمية الأمطار عن السنوات التي سبقت تركيب هذه المستقطبات، خاصة في فترة الصيف حيث كان نزول الأمطار نادرَ الحدوث، والسُّحب لا تمكث في السماء كثيراً، وكان يضرب بها المثل بالقول للشيء سريع الذهاب كأنه "سحابة صيف"، ولكن الوضع تغيَّر اليوم عن ذلك الوصف؛ فأصبحت الأمطار أكثر غزارة، والسيول تفيض بها الوديان، وقد تركزت ملاحظات الأهالي ليس حول غزارة المطر وحسب، وإنما طول مدة فترة هطولها، وكذلك كمية البَرَد التي ترافق نزول الأمطار في الزمن الراهن.
إنَّ التغيُّر في المناخ الممطر كان بفضل الأبحاث العلمية، التي اعتمدتها الدولة لمعالجة شح المياه بسبب ندرة الأمطار؛ فعُمان كانت بلداً خصيباً إلى وقت قريب، ولكن مع تغير المناخ حول العالم أثر ذلك سلباً على مناخ السلطنة، فأصبحت الأمطار جدًّا شحيحة في العقود الأخيرة؛ فقد تمرُّ أكثر من خمس سنوات حتى تعاود السماء ترسل غيثها على الأرض، وبحمد الله وبفضل هذا التطوُّر العلمي في مجال استقطاب السحب الماطرة، فإنَّ الجهود الكبيرة التي جادت بها عقول العلماء الرائدة في البحث العلمي، مصداقاً لقوله تعالى: "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانفُذُوا لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ" (الرحمن:33). إذن، النفوذ إلى ملكوت السماوات والأرض ممكن، لكنه لا يتم إلا بسلطان العلم.
إنَّه من المؤكَّد أنَّ الله الذي أولى الإنسان ميراثَ الأرض، وعمارتها وبناءها، قد ترك له أبواب الأفق مواربة أمامه، للقيام بصون الأرض وتعميرها بالعلم والمعرفة، وحدَّد له ربُّه منهاجاً للبحث العلمي، وذلك بضرب الأمثلة في القرآن الكريم، ليتعلَّم ويأخذ العبرة والقدوة الحسنة منه، وقد بيَّن له أنَّه لم يؤتَ من العلم إلا قليلا، وأنَّ هناك من أتى بعرش بلقيس من اليمن إلى الشام في طرفة عين، لكونه يستند إلى علم من كتاب الله العزيز، إذن على الإنسان أن ينظر إلى الأفق الواسع أمامه، وأن عليه أن يسعى في مناكب الأرض، باحثاً عن الرزق الذي لا يأت إلا بالجهد والعمل.
إذن، على هذا الإنسان ألا يعجب من طريقة استمطار السحب بوسيلة العلم، وألا يعدُّ هذا الجهد شيئاً من الخرافة، لأن هناك من سبقه في معرفة علم الطاقة، ومقارنة مع ذلك الذي أتى بعرش بلقيس، وكان قبل الألاف من السنين من الزمن الماضي؛ فهذا الإنجاز يعدُّ عملاً جد يسير، وأنما هذا دليل قاطع على أننا لم نفهم الكتاب إلى اليوم الفهم الصحيح، وإن الذي نعرفه من العلم لا يساوي جناح ذبابة، مما يتوجب على الإنسان معرفته وفهمه، وكذلك استعماله في إعمار الأرض. إنَّ الله فتح على علماء عُمان باب إدرار السحب العابرة في جو السماء، وهذا فضل كبير، وعلينا أن نشكر الله عليه، وأنْ لا نظل نشكك في الوسائل العلمية؛ فهذا علمٌ قد هدانا الله إليه، وليس تبصيراً ولا تنجيماً، كما يظن بعض المحبِّطين للهمم والعزائم، وهناك مشروع آخر جَرَى في نفس السياق، ألا وهو استقطاب ماء الندى وتكثيفه، وهذه خبرة يعرضها العُمانيون اليوم في جامعة الدول العربية، لعل الأخوة العرب ينحون نحوها، ويعملون متكاتفين بما يُحيي الإنسان، بعدما برعوا في قتله وتشريده في الأرض.
ولكنَّ الأهم من هذا كله، أن نفكّر في الطريقة التي نقمط بها مولود السحب من المطر، وقد كان في الماضي إذا كان المرء ينتظر مولوداً جديداً، فإنه يُجِّهز القماط والمهد قبل نزول المولود من أحشاء أمه، وتقميط الطفل بعد الولادة يحفظ قوام جسمه، وكذلك يمنع حركته حتى لا تسقطه من المهد، فإذا كان قماط الأطفال يُعدُّ من خيوط منسوجة من القطن أو الصوف، فقد تمت تهيئته على شكل غرضة عريضة، حتى لا تؤذي الوليد غض الجسم، فلماذا نهمل نحن في عُمان قماط الماء حتى لا نضيع جهود العلماء سدى، وننسى المخاطر التي تعرضوا لها، وهم يتسلقون الجبال العالية، لزرع تلك الأجهزة في أعلى القمم، فإنَّ عملية التقميط لمولود السحب من الماء، قد يكون أسهل في قيعان الوديان منه في القمم الشواهق، فيتمثل ذلك في السدود التي تعترض سيول الأودية الكثيرة، وعدم تركها تذهب من بين أيدينا إلى البحر، أو صحراء الربع الخالي، وقد كانت مزروعاتنا أولى بهذه المياه من سمك البحر، أو باطن الصحراء التي ضنت به عن الشجر على ظهرها فمات واندثر.
أن لا نكتفي بمنظر بحيرة سد وادي ضيقة، الذي شفط في بطنه أكثر من أربعين مليون ريال عماني، وأصبحت بحيرته تزيد اخضراراً بالطحالب الراكدة في أحشائه، دونما فائدة ملموسة من وجودها، عدا أنها ترهق كاهله بثقلها، وقد يتعب يوماً من حمل تلك المليارات من الجالونات المكعبة من مياهها العذبة، فيدلقها مُكرهاً في الوادي فتجرف ولاية قريات، فيرمي بها في بحر عُمان -لا قدر الله- وقد فعلها سد مأرب قبل ذلك، إذن على العقلاء منا أن يسارعوا إلى الاستفادة من تلك المياه، وتوزيعها على المزروعات العطشى، وليس ذلك وحسب، وإنما استصلاح أراض أخرى لإيجاد ثمر وقوت للناس من زرع أيدينا.
إذن؛ نحتاج إستراتيجية مائية جريئة وواضحة، تقوم على تقميط المياه وحبسها في الأودية، بحيث يكون على كل عشرة كيلومترات في كل وادٍ سدٌ متوسط الحجم، فكما كانت هناك خطط خمسية للطرق، فإننا نطمح أن تكون هناك خطط خمسية متكررة في طريقة حبس مياه الأودية، وجعلها تمكث في الأرض بما ينفع الناس، وهذا جزء يسير من استصلاح الأرض واعمارها، وإن الله خلق من الماء كل شيء حي، ومن غير الماء لا تكون الحياة، وعبر التاريخ كان هناك عُمانيون لا يعدمون الوسيلة في ترويض المياه لصالح الإنسان، فهل نعدمها اليوم في عصر نهضة كبيرة مباركة؟!!.. حفظ الله عُمان وسلطانها المبجل.