حمود الطوقي
بعد 40 عاما، استعاد 11 فردا من عائلة واحدة عُمانية تنتمي إلى قبيلة المحاريق، جنسيتهم العُمانية، بعد كِفَاح طويل من أجل محاولة تصحيح وضعهم بالطرق القانونية، والخروج من مأزق تجذَّروا فيه، لتأكيد الانتماء إلى الوطن، وأنصف العائلة صدور المرسوم السلطاني رقم (29/2017) والمنشور في الجريدة الرسمية العدد رقم 1200.. فأخيرا، حُقَّ لهذه العائلة أن تحتفل بعودة انتمائها إلى تراب الوطن؛ حيث كافحت طوال 4 عقود على الرغم من الشُّقَّة التي رافقت مسيرة تأكيد الانتماء هذه، منذ الجد، مُرورا بالابن والأخوات والبنات.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا عندما يتوافر ما يثبت الأهلية في استعادة الجنسية العُمانية، يُرافق ذلك إجراءات مُعقَّدة وعادة تشكيكية من الجهات الرسمية؟
في نموذج العائلة المحروقية مثال لا ينبغي التغاضي عنه، وهو يفتح ملفا مسكوتا عنه وتناولا إعلاميا بشكل أو بآخر على مدار السنوات الماضية، فيما يخصُّ الوجود العُماني في شرق إفريقيا ودول البحيرات العظمى. فالعُمانيون هناك، حنينهم إلى التراب العُماني لا يتوقف ولا ينفك يتجدَّد، وليس أمامهم سوى البحث عن بوادر الأمل، وأغلبهم صاروا "بدون" في هذه الدول، ولم يعد أمامهم سوى الانصياع لأمرين، إما متابعة الكفاح والنضال من أجل استعادة الجنسية، أو العمل في تلك البلدان بحسب استعداداتهم المهنية بروح عُمانية وثابة.
من الناحية العددية، يمكن لتلك الأرقام العُمانية المهملة في المهجر القسري الإفريقي أن تزيد من الكثافة العُمانية هنا في الوطن، بما لا يدع مجالا للشك في أن وجودهم سيكون مهما ومثمرا على الصعيد الاجتماعي، والدماء واحدة على كل حال.
أمَّا من الناحية الاقتصادية، فإنَّ مهنيَّة العُمانيين في المهجر القسري الإفريقي ستكون ذات فائدة كبيرة على المستوى المهني، على المستويات الزراعية والصناعية واليدوية، وسيكون ذلك مُعِينا للحِرَاك الاقتصادي المحلي.
ومن حيث حركة رأس المال، فكثيرٌ من العُمانيين القاطنين في شرق إفريقيا أو دول البحيرات العظمى لديهم تجارات مختلفة؛ فماذا إنْ تمَّ تسخير تلك الأموال وضخها في المجتمع الاقتصادي المحلي؟! ألن يكون ذلك مجديا بدلا من تدويرها في دول أخرى؟
من ناحية أخرى، لقد باتَ العلم، في ظل غياب الوثيقة التي تثبت الأصول والانتماءات، أو التشكيك فيما تبقى منها، فيصلا لا محيد عنه ولا مناص منه، فمن يُرِد إثبات نسبه ومكانه يُمكنه اللجوء إليه، من خلال فحص الـDNA. لكن على الرغم من موثوقيته العلمية، إلا أنه غير مفعَّل على مُستوى تحقيق رغبات العُمانيين والعُمانيات في العودة لموطنهم الأصلي عُمان، وبات الكفاح من أجل تحقيق ذلك بمثابة حفر في صخر جلمد، على الرغم من وضوح الرؤية في المكاسب التي يمكن تحقيقها من وراء إعادة الحنسية العُمانية لمن أذهبهم البحث عن لقمة العيش وتحسين المستوى المعيشي إلى الدول الإفريقية.
ولعلَّ ما لم ترصده وسائل الإعلامية عن إمكانية ضياع الهوية العُمانية في القارة السمراء، هو الزواج بالإكراه بين النساء العُمانيات والرجال الأفارقة، والسبب يعود إلى ضرورة وجود تأشيرة إقامة لاستمرارية العيش، وهذا الإجراء يمكن أن يجعل الهوية العُمانية تتلاشى؛ إذ سيصبح الانتماء والجنسية إفريقية بامتياز، وهذا سيشكل خطورة في المستقبل. وهذا النوع النفعي من الزواج منتشر بكثرة، ناهيك عن كثير من النماذج العُمانية، رجالا ونساء على حدٍّ سواء، كان حُلم الدفن في التربة العُمانية بمثابة وصيّة يوصون ويوصين بها، ولكن تلك الوصايا لا يتم تنفيذها، ليتم الإقبار والدفن في المهجر القسري، مع أنَّ هذا بمثابة مطلب إنساني، يجعل المرء يرغب في السكينة والراحة حيث انتمائه، ولكن لا تشاء الأفكار أن تتحقق.. سيظل هذا الملف مفتوحا ولن يتنازل من يشعر بانتمائه لتراب عُمان عن أن يكون ضريحه بالقرب من أجداده.
وإذا كانتْ قد حدثت حالات بسيطة حصل بمقتضاها على الجنسية العُمانية من لا يستحقها، باستخدام أساليب احتيالية، وتقديم شهادات غير صحيحة؛ فهل يكون التصدي لمثل هذه الاحتمالات، التي لا يمكن تعميمها، بشرعنة التعقيدات التي تحجب أصحاب الحق عن العودة إلى نسيج المجتمع؟
وفي هذا السياق، نقترح تشكيل لجنة وطنية تضمُّ مُمثلين من الجهات ذات الاختصاص، ومن ثم تنتقل إلى المشرق الإفريقي لحصر المطالبين باسترداد الجنسية، ودراسة طلباتهم دراسة جدية ومُعمَّقة؛ بنية وضع حل لها. وفي تقديري، أنَّ استعادة هذه الفئة وضمَّها إلى النسيج الوطني لن يشكل عبئاً ماليًّا على الدولة -كما يظن البعض- وإنما هو في الغالب الأعم مكسب للدولة اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا.
نترك الإجابة للسلطة المختصة التي لا نشك في رجاحة عقلها، ورؤيتها الشمولية لهذا الملف الشائك. ويبقى طرق الأبواب قائما والأمل معقودا.