الإدارة المحلية (3)

 

علي بن كفيتان بيت سعيد

أخصص مقال هذا الأسبوع لتفاعل القراء مع المقالين السابقين حول نفس الموضوع؛ فقد لفت انتباهي الاهتمام الكبير للقراء بالإدارة المحلية حيث حصل المقالان على نسب عالية من القراءة، وهذا يدل على تلهف المجتمع لمعرفة ماهية الإدارة المحلية، وسبل ممارستها ولا نرى بأنّ هذا الاهتمام نابع من وعي سياسي بل هو سعي من أجل ممارسة السلطة والتلذذ بالسيطرة وفق منظور فطري يولد مع الإنسان.

تبيّن لي أنّ معظم من علقوا أو اهتموا بهذا الموضوع يخلطون بين مصطلح الحكم المحلي، والإدارة المحلية وجل توجههم للمصطلح الأول وربما قُصور منِّي أنني لم أعرف كلا الأمرين ولعله من الأهمية أن نوضح أنّ الحكم المحلي يركز على اللامركزية السياسية بينما الإدارة المحلية تتعلق باللامركزية الإدارية وتعتبر الإدارة المحلية هي المدرسة النموذجية لما يعرف اصطلاحاً بالديموقراطية ومن هنا تكمن أهمية تنمية وتطوير الإدارات المحلية ومنحها المزيد من الصلاحيات والتفويضات تحت متابعة ورقابة الحكومة المركزية.

أحد الذين تواصلوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي رأى بأنني أقوم بتهميش الجانب القبلي وكان لديه الكثير من الحجج التي تدلل على أنّ الفكاك من الحصار القبلي والعشائري لصالح الإدارة المحلية النزيهة القائمة على مبدأ تكافؤ الفرص واختيار الأفضل مستحيلاً وفي ظل تعاظم هذا المنطق الذي تتبناه شرائح لا يستهان بها من المجتمع يصعب علينا تسمية ما نقوم به من انتخابات سواء للشورى أو البلدي بأنّها ديموقراطية ومن الصعب أن تفضي للإدارات المحلية المنشودة التي تكون شراكة حقيقية ومتكافئة مع للحكومة المركزية وهذا ما رمينا إليه في مقالنا الأول.

بينما اهتم آخر بالمقترح المطروح حول الصوت البديل ورأى فيه فرصة لمنح النّاس المجبرين على خيار واحد متنفس للتعبير عن رغبتهم الكامنة ولو كان الأفضل في نظرهم هو رغبتهم الثانية أو الثالثة في استمارة المرشحين، وهنا يتجلى لنا مدى تأصل الرقابة الذاتية الوهمية لدى أفراد المجتمع عكس رغباتهم الطبيعية فهم يتخوفون من كشف قوائم الناخبين ومعرفة من صوتوا له ويقول هذا المدون سأضع الاختيار الالزامي (القبلي – المالي) أولا ثم سأتمكن من إطلاق العنان لما هو في داخلي لبقية الاختيارات وهذا في حد ذاته تطور لو فتح له المجال في الدورة القادمة للمجلسين.

كثير من المتفاعلين متشائمون ولا يرون جدوى من الذهاب للتصويت في المستقبل بحجج مختلفة أبرزها عدم وجود صلاحيات وبأن تلك المجالس صورية لإصدار التشريعات والقرارات الحكومية والاتفاقيات الدولية بصبغة المشاركة المجتمعية، في حين اقترح أخر أنّ الدعوة للانتخابات الشورية والبلدية كل على حدة فيه الكثير من المضيعة للوقت والمال على المواطنين وعلى الحكومة ويقترح أن تجري تلك الانتخابات في يوم واحد بحيث يختار الناس ممثليهم للمجلسين.       

رأت مجموعة من المتابعين أن فكرة الصوت البديل يجب أن تقترن بإنشاء ما يعرف بالدوائر الانتخابية في كل ولاية بحيث يكون هناك إطار مكاني لكل دائرة مما يعني تراجع المراهنة على الخيارات القبلية والمالية لصالح المناطقيّة فكل دائرة تحوي مجموعة من الكيانات المختلفة وبالتالي يصعب تحقيق أغلبية قائمة على أسس عشائرية أو مصالح مالية أو على الأقل يتم الحد منها لصالح تكتلات مشتركة يقتنع بموجبها الجميع بالاتفاق مع الآخر حتى ولو لم تربطه به صلة غير صلة أبينا أدم وأمنا حواء.

هنا يجب أن نشير إلى أن منح الثقة للإدارات المحلية وإعطائها الصلاحيات الكافية له فوائد جمة فهي الحاضن الآمن لمبدأ المشاركة الإيجابية للحكم الرشيد، وتظهر أهميتها عندما تتعرض الدولة للمصاعب والأزمات حيث تتمكن الوحدات المحلية اللامركزية التي اعتادت على حرية التصرف والاستقلال من التصدي لمسؤولياتها دون الشعور بالحاجة إلى المركز.

alikafetan@gmail.com