ربما حانت ساعة يقظتك

 

مريم اللمكية

إذا أحسست أن لحظة أو وقتا أو يوما يأتي مختلفا على غير بقيّة اللحظات الأوقات الأيام، إذ تبقى متأملا مفكرا أو مستيقظا بينما الناس نيام، فاعلم أنّها قد تكون ساعة يقظتك حان وقتها لعمر يأتي بعدها، فإن أحسنت لتلك اليقظة أحسنت لنفسك ولعمرك الذي يأتي بعدها، وإن أسأت لها فقد أسأت لنفسك ولعمرك الذي يأتي بعدها.

فبعض اللحظات قد تصنع فينا ما لم يصنعه عمر من السنوات. جرّب أن تخاطب النائمين وهم نيام وأنت مستيقظ، لا تقلق كلماتك ستصلهم أحاسيسك ستبلغهم لأنّ عقلهم اللاواعي لم ينم ولا ينام ولن ينام بل هو متيقظ، كما أنّ ضميرهم كذلك متيقظ؛ ليوقظ في كل لحظة فيهم مئات الصحوات التي نامت أو كادت أن تنام، جرّب أن تخاطب النائمين وأنت تقف من على شرفة الحياة لتطلع على شيء من تلك العوالم المهيبة التي تسافر إليها أرواحهم، فمن قال أنّ النوم لا يوقظ صحوة النائمين إن هم أصغوا جيدا، جرّب أن ترنو نحو الأفق البعيد أفق بعده أفق يتسع، تصغي لصوت الكون الرهيب المهيب تتحد مع تناغم هيبته وعظمة خلقه، لحظات وأوقات لا تشتريها بكنوز الأرض قاطبة ولكن تشتريها بهمة عالية بساعة يقظة بصحوة من غفلة، ألا إنّ سلعة الله غالية فاستيقظوا وتحرروا من سباتكم.

صدقوني لقد نمت مثلكم دهرا وكاد أن يطول بي السبات، ثم قررت أن أستجيب لصوت يقظة خفي يناديني، في كل مرة كنت لا ألبي النداء لكن عندما حانت ساعة يقظتي أصغيت إلى ذلك النداء الذي حرك أحاسيسي وتبعته فإذا به يأخذني إلى أرض غير الأرض؛ وهي الأرض ذاتها، وعالم غير العالم؛ وهو العالم ذاته.. أيعقل أن نعبر كل هذه المسافات وأن نحيا كل هذه الأزمنة من دون أن تلامس أرواحنا ذاك العالم الشفاف الذي يغشاها ويغشانا؟!

أكاد أجزم وأنا أتأمل هذا الكون الفسيح، بل هو الأمر كذلك أن ثمة عوالم من حولنا ممتدة وإن حاولت أن تخضعها الحدود غدت لا انتهاء لها، وكلما انتبهت لها لنداءات كائناتها لك وكلما تعمقت فيها عادت نفسك بيقظة من نوع آخر، يقظة كتلك التي صنعت العظماء وشيّدت الحضارات وخلدت أشهر المعالم والعجائب عبر التاريخ، يقظة كتلك التي لا تجعل منك نسخة من غيرك بل شيئا مختلفا لا يشبهه أحد، فأنت اختيار الله تعالى لك في أرضه لتكون صاحب رسالة ولوجودك غاية وهدف، وغدا جنة تزدان لك تنتظرك فوق سبع سماوات تحت العرش سموا وعلوا لا انتهاء له إن شددت إليها رحالك صدقا قولا وعملا، وأنت الضوء الذي لا يخضع للجاذبية، وإن عبرت من الثقب الأسود أوجدت لنفسك قوة أكبر مما يوجدها الضوء لنفسه حيال الجاذبية وقانونا جديدا فريدا يستعصي على الخضوع للصعاب، لتكون الضوء الذي يأبى إلا أن يعبر حرا طليقا فيضيء كل بقعة يعبر بها ويملأ العالم من حوله نورا وضياء.

إذ أنّ "بعض الناس تكون حياتهم كلها رحلة ضوء، يضيئون لمن حولهم، أحيانًا بفكرة، أحيانًا بجملة عابرة، أحيانًا برغيف خبز، وأحيانًا بكتاب" (العمري، كيمياء الصلاة). فأحسن اختيارك لتكون من هؤلاء البعض واتخذ قرارك ثم حدد طريقك وصحح مسارك نحو الوجهة التي ترتضيها لذاتك، وإن لم تستطع أن تكون لنفسك أو لغيرك ظلا ظليلا فلا تكن أوارا، وإن لم تكن دفئا فلا تكن زمهريرا.

تعليق عبر الفيس بوك