معركة النصر في الموصل.. نهاية التقسيم

حَمَد العلوي

يَوْم أحتلَّتْ دولة "الخرافة" الموصلَ في العام 2014م، كتبتُ مقالًا بعنوان "مُخطَّط تقسيم العراق يبدأ من الموصل"، واليوم وبعد النصر المؤزَّر للجيوش العراقية على بُعبع العصر "داعش"، الذي أنشأته المخابرات الأمريكية بجعد العرب وصوفهم (الجَعَدْ تعني الخِرَاف)، وللجعد والصوف قصة واقعية يعرفها العُمانيون؛ ففي زمن مضى قدِم أحد الطغاة إلى عُمان، فلما كان مجيئه لغرض الإفساد في الأرض، فقد أتى إلى عين ماء تنبع من قاع الأرض، فأراد طمرها فلم يُفلح، فكلما ردمها بالحصا والطين تعانده وتعاود الجريان، وأثناء ذلك مرَّت به راعية "جعد" فأشارت إليه بالصوف وشبقة السمر، أي أغصان شجرة السمر لما لها من أشواك وتشابك في أغصانها -وهي تجهل من يكون ذلك الطاغية- فوجد ضالته في صوف قطيعها من الجعد، فأمر جنده بأخذ جعدها حية والرمي بها في عين الماء، فكلما قذفوا بواحدة ألحقوها بشبقة من السمر حتى ظن أنَّه دمَّر العين، ولكنها انفجرت رغم أنفه على بعد أمتار من منبعها الأول، وبقوة جريان أشد غلبت طغيانه وجبروته، فكانت مقولة تلك الراعية "مثل شؤم" مع العُمانيين لمن ترتدْ مشورته عليه بالسوء.

إذن؛ عندما يُصنِّف الأمريكي نفسه على أنه أرقى شعوب الأرض، يكون من حقه أن يكون بعض العرب عبيداً لفكره، وإن هناك من بين أفراد هذه الأمة من يقبل بهذه العبودية عن طيب خاطر، وإنه لا يزال من بين جنبات هذه الأمة العربية من لا يريد الخروج من ربق العبودية، بعدما عتقه الله بالإسلام من نير عبودية البشر للبشر، وحذرهم عز وجل بعدم قبول ولاية اليهود والنصارى، وإلا فهم منهم، وذلك بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (المائدة:51)، إلا إذا وجدوا أن الآية الكريمة تنطبق على المؤمنين فقط دون المسلمين، فرجال الإفتاء يحق لهم ما لا يحق للمؤمنين من تحريف التشريع بما يوافق هوى النفس.

لقد تآمر العرب على العراق، وجعلوا منه "الثور الأبيض" حتى يخلوا لهم وجه الحبيب اليهودي، الذي كانت محبته مخفية، وقد تجاسرت أمريكا على المنطقة العربية، بعدما وجدت التأييد والدعم المادي والمالي والسياسي والديني من بعضهم، فبدأت بنسج الخطط الخبيثة لشرذمة الأمة وتفتيتها، وذلك تارة بالغزو المباشر من الخارج، وكانت تلك البداية وكانت مكلفة ماديًّا وبشريًّا بالنسبة لها، ثم رأوا بإسناد المهمة إلى الوكيل المحلي، الذي أبرع في تنفيذ الخطة بهمة أكبر من الموكِّل، فقد جعلها الوكيل حربًا شعواء على كل الدول العربية، وأصبغوا عليها قدسية المذهب والدين كما زعم ذلك رجال الدين، ونتأفف أن نسميهم علماء في الدين، فقد سعَّر رجال الدين الحروب بين أبناء الأمة العربية؛ وذلك على أسس دينية ومذهبية، فأجادوا التنفيذ بيد أهلها وأبنائها من البسطاء والسذج، وكل شيء تكفل به الوكيل المحلي من حيث المال والرجال والسلاح والفتاوى المُبيحة للذبح، وأكل أكباد البشر كما فعلت حمّالة الحطب من قبل.

لكنهم نسوا، أو تناسوا، أنَّ الله وعد بنصر من ينصره من عباده الصالحين؛ لذلك ستجد في الأمة من ينصر الله، وقد ذكر سبحانه وتعالى إن حزبه هم المنصورون وهم الفائزون، وبأن حزبه هم الغالبون على حزب الشيطان، وهنا لا أقصد "حزب الله اللبناني" وإنما أقصد الحزب الذي ذكره الله في القرآن الكريم بقوله تعالى:"وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ" (المائدة:56)، وإنَّ حزب الله اللبناني يُعدُّ جزءًا من حزب الله الكبير، وأن الله لن يقبل ولن يسمح للمفسدين في الأرض بأن يكونوا الغالبين، بل هم الخاسرون بإذن لله، أو أن يُغيّرُوا في ناموس الكون الذي يسيره "هو" بقدرته الربَّانية، فيختصره في كلمة واحدة وهي "كن" فيكون، ومن لا يصدق هذا، عليه أن يقرأ في القرآن الكريم قصتي فرعون وقارون، وسيعلم المتفرعنون والمتقارنون بقارون، أن الله هو واحد أحد في ذلك الزمان واليوم وإلى الأبد الذي ليس بعده أبد.

إذن؛ فقد آتى أمر الله في العراق، وأمر بنصر جنده ليخزي مشروع الأمريكان في تقسيمه للعراق، وكان النصر على يد جيوشه من أهل العراق، فمن الموصل كانت بداية مشروع التقسيم، وفي الموصل تم وأد ذلك المخطط الرهيب، وبرغم إحكام المكايد من تسريح للجيش العراقي العظيم، وبث بذور الطائفية والمناطقية، فلم يعلموا أن أعمالهم الخبيثة يدحضها الله بأمره، مهما عظُم كيدهم ومكرهم الذي تزول منه الجبال، وبالمحتم فإنهم لن يكفوا عن الاستمرار في كيد المكائد ودس الدسائس، أليس وليهم قد طلب من ربه أن ينظره ويمهله، لا لكي يتوب ويستغفره، وإنما للمزيد من الضلالة والتحدي، والدليل في قوله تعالى: "قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ" (سورة الحجر). إذن؛ هذا هو ديدنهم التعهد بالضلالة والغواية.

... إنَّ النصرَ العسكريَّ الذي حققه العراقيون في الموصل، سيظل ناقصاً إذا لم يُتبعه العراقيون بخطوات أكبر؛ ومنها: النصر على النفس، والانتصار على المخطط الأمريكي من جذوره؛ وذلك بإلغاء المحاصصة الطائفية، واعتماد المواطنة كمعيار، والعمل على إقامة الدولة المدنية، وإلغاء قانون اجتثاث البعث؛ لأنَّ بقاءه يعني إلغاء ثلث الشعب العراقي من الوجود أو حرمانه من الحرية على أقل تقدير، والعراقيون هم خير من يعلم أن الذين انتموا إلى حزب البعث، ليس لأنهم بعثيو الهوى، وإنما تزلفاً لكسب وظيفة ومعيشة أفضل، أو إتقاءً للبطش والأذى، وإن العفو والتسامح يجب أن يكونا ركيزة المصالحة الوطنية في العراق، وذلك لسد الذرائع على من به هوى في النفس.