ناصر العبري
تُوْلِي حُكومتنا الرَّشِيدة جُلَّ اهتمامها للمواطن العُماني في تَسْخِير العيشِ الكريمِ له، وشكَّلت وزارة التنمية الاجتماعية فِرَقا مُتخصِّصة ودوائرَ وباحثيْن اجتماعيين يجوبون ربوعَ السلطنة لحصر ومتابعة الأسر المعسرة والمحتاجة وتقديم العون لهم وكل أنواع المساعدة. وتعدُّ ظاهرة التسوُّل من المشكلات الاجتماعية التي تنتشرُ في محافظات وولايات السلطنة، وتتباين نسبة المتسولين من مكان إلى آخر نتيجة عوامل ومتغيرات عدة؛ منها: الثقافة الاجتماعية، ولا يختلف اثنان حول سوء ظاهرة التسول والحصول على المال من الناس في الشوارع والأسواق وإقلاق راحة الناس في المنازل.
إنَّ كثيراً ممن امتهنوا التسوُّل حقيقةً ليسوا في حاجة للمال، ولا يعانون من العجز الصحي أو البدني ولا ما يعيقهم عن العمل.. فئة من ضِعَاف النفوس سلكوا تلك الطريقة القبيحة كنوع من الكسب السريع دون جهد، اتخذوا الكثيرَ من الخداع والدجل والتضليل حتي ينالوا عطف الناس، وما نشاهده حاليا في الأسواق وفي دُوْر العبادة وأثناء أداء صلوات الأعياد لأمر مُؤسف؛ حيث لا أعتقد أنَّ المسألة تسول فرد أو شخص واحد فقط، بل نجد أنَّ هناك عائلات متسولو يجلبون في حافلات وسيارات، ويتم توزيعهم على الولايات والقرى، وينسجون قصصاً تقطع القلب وتُدمع العيون وكيف أنهم تقطَّعتْ بهم السُّبل، والنساء والأطفال أيضا في الأسواق والأماكن العامة يتابعون الناس من متجر لمتجر، يستغلون مواسم الأعياد وشهر رمضان المبارك فيمدون أيديهم بلا استحياء أو تعفف، بل إنَّ سوء التربية كذلك يدفع إلى هذا السلوك المشين، كثيرٌ من المتسولين يمشون ويسرحون ليس بهم عجز إلا ضعف نفوسهم وعدم رغبتهم في العمل الشريف، مُتناسين ما حثَّنا به الدين الإسلامي؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأنْ يأخذ أحدكم حبله، فيأتي الجبل، فيجيء بحزمة من حطب على ظهره، فيبيعها، فيستغني بها خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه" (رواه البخاري).
ولا شكَّ أنَّ التسوُّل ظاهرة سلبية من مظاهر التخلف الاجتماعي التي تسيء للوطن والمجتمع، واجبنا أنْ لا نُساعد على انتشارها بعطاءاتنا لهم عشوائيًّا؛ حيث إنَّ من أراد أن يتصدَّق فليتثبت أو يذهب لصناديق الزكاة أو الجمعيات الخيرية التي تدل على الفقراء والمساكين المتعففين، إننا بحاجة لإجراء بحث شامل عن أسباب هذه الظاهرة، ووضع الحلول المناسبة لها، وتفعيل جهود الجهات المعنية كمكافحة التسول خصوصا هذه الأيام، والضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية التي لها دور رئيس في الحد من هذه المشكلة؛ لكي يؤهل ويوجه القادر على العمل؛ بحيث يسهل له الطريق إليه والعاجز يساعد بطريقة حضارية ويستفاد منه بحسب قدرته، أما ضعاف النفوس غير المحتاجين، فهم مرضى ينبغي معالجتهم سلوكيًّا وأخلاقيًّا بالتوعية والتوجيه، ورَدْعهم بالعقاب المناسب لمن لم يلتزم بذلك، لكي يكون مجتمعنا راقياً حضاريًّا.