علي بن كفيتان بيت سعيد
بعد أن بيّن المقال الأول بعض مواطن الضعف لمجلسي الشورى والبلدي نتيجة للإفرازات المجتمعية المتواضعة، والفهم الخاطئ لاختصاصات تلك المجالس، ونظم عملها؛ مما ولد شريكا ضعيفاً للحكومة التي كانت تراهن على الأفضل للنهوض والتطوير بأداء ما يقدم للمجتمع من خدمات في سبيل الوصول إلى ما يعرف بالرفاه الاجتماعي، والاستقرار السياسي، عبر الشعور بأحقيّة التمثيل والمشاركة الفاعلة في اتخاذ القرار، وفي هذا الإطار نجد أنّ الحكومة مجدداً لم تجد مناصا من إيجاد معادلة على أقل تقدير توازن الكفة ولو جزئياً من خلال مجلس الدولة المعين الذي تتعدد فيه القدرات من شخصيات مجتمعية ذات تأثير واسع سواء في الجانب السياسي أو الإعلامي، وأخرى مشهود لها في الجانب الاقتصادي والمالي، وكفاءات أكاديميّة، وشخصيات أمنية وعسكرية، وتمثل نسائي يرتكز على القدرات والكفاءات الشخصية.
إنّ المطالبة بإيجاد إدارات محلية فاعلة يتوجب فهما أعمق لهذا المفهوم، فبعد أن انتخبنا المجالس المحلية والبرلمانية (البلدية - والشورى) وجدنا أصواتا تنادي بوجوب استقالة تلك المجالس نظرًا لعدم قيامها بواجبها تجاه المجتمع في قضايا طفت إلى السطح ومنها قضية الحج، ورفع الدعم عن بعض السلع الاستهلاكيّة وغيرها؛ السؤال هنا من الذي قدّم أعضاء تلك المجالس هل الحكومة تتحمل وزر تقصيرهم إن وُجد أم الذين جندوا كل ما يملكون للزج بهم إلى تلك المواقع الحساسة؟
إنّ الأمر يتطلب مراجعة متأنية لهذه الظاهرة، من خلال البحث في مسببات الدفع بأعضاء لا يستطيعون مساندة الحكومة وتحقيق طموحات المجتمع في حياة أفضل، وأتوقع أن إجراء تعديلات على قوانين الانتخاب لتلك المجالس أصبح ضرورة ملحة فنظام الصوت الواحد الحاصل على أعلى نسبة لم يُجدِ نفعاً سوى المزيد من الانقسام في المجتمع ويمكن القول بأنّه بعد المتابعة المتأنية لأعضاء تلك المجالس يمكن تصنيفهم إلى ثلاث فئات الأولى المتذمرون وهم النسبة الأعلى فتجدهم معترضون على كل شيء ولا هدف لهم سوى التقليل مما تقدمه الحكومة من خلال تقزيم دور الوزير وما يتخذه من إجراءات وهؤلاء يركنون للسرد المطلق ولا يملكون بيانات أو أرقاما تسند ما يطرحونه وللأسف فإنّ المجتمع يتداول مداخلات هذه الفئة بكثرة في مواقع التواصل الاجتماعي ويرون بأنّ هذا العضو جريء أكثر من غيره وهنا نرجع لما ذهبنا إليه في مقالنا الأول حول جهل المجتمع بآلية عمل تلك المجالس.
الفئة الثانية هم المهادنون فتجدهم يهيلون المدح والثناء على ضيف المجلس وينسبون إليه العلم بكل ما يدور ويشكرون زياراته الميدانية لولاياتهم وبذلك يعاكسون نظرة الفئة الأولى ويعطون تناقضا صارخا في الفكر البرلماني كونهم يرون أن أسلوب المخاتلة والمداراة هو السبيل الأنجع للوصول لقلب معاليه.
الفئة الثالثة هم المهنيون (أطباء – مهندسون – محامون... إلخ) وبمعنى آخر الذين يستطيعون الحصول على الأرقام وتحليل السياسات، وهم من يمتلكون الحجة ويعتبرون أقلية في تلك المجالس، لذلك تأثيرهم محدود للغاية وغالبا ما يمنحون مناصب رؤساء اللجان على سبيل المجاملة ولكنهم يصطدمون بأعضاء تلك اللجان الذين لا ينسجمون مع التوجهات المهنية فيصبحون بين خيارين أحلاهما مر إما العمل منفردين أو الرضوخ لفكر الأغلبية التي تمتهن العاطفة منهجاً وتفضل أن تصبح أعمال تلك اللجان ظواهر صوتية لا غير.
نرى أنّ الحل هو إرساء نظام الصوت البديل الذي يُمكِّن الأصوات المعطاة لمجموعة من المرشحين من التراكم، بحيث يمكن توفيق الاهتمامات المتقاربة على الرغم من اختلافها من أجل الحصول على تمثيل متوازن لتلك المجالس. بالإضافة لتمكين الناخبين المؤيدين للمرشحين ذوي الحظوظ الضئيلة من التأثير في انتخاب المرشح الأوفر حظاً من خلال أفضلياتهم الثانية والثالثة على ورقة الاقتراع. وعليه كثيراً ما يعتبر هذا النظام على أنّه عامل محفز باتجاه انتهاج سياسات الوسط، وذلك لكونه يدفع المرشحين للعمل على كسب الأفضليات الثانية أو الثالثة للناخبين الآخرين من غير مؤيديهم الأساسيين. وهو ما يتطلب من المرشحين العمل على توسيع دوائر التأييد بدلاً من حصر جهودهم في أطر قبلية ومناطِقيّة ضيّقة.