برنامج "نزاهة"

 

المراقب شبيب بن ناصر بن خلفان البوسعيدي

مدير دائرة الشؤون القانونية

 

 

لقد عرض جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة برنامجا تلفزيونيا خلال شهر رمضان المبارك بعنوان (نزاهة) وبه شارك عدد من المشايخ والخطباء بالحديث عن بعض الجوانب التوعوية المتعلقة بحماية المال العام، مشيرين إلى بعض الظواهر السلبية المتعلقة باستغلال الوظيفة العامة كالاختلاس والرشوة والواسطة وغيرها من المواضيع.

والسؤال الذي يطرح نفسه هل نحن بحاجة لمثل هذه البرامج من أجل توعية المجتمع وتعزيز قيم النزاهة فيه؟

في الحقيقة أن هناك العديد من القضايا المتعلقة بالاعتداء على المال العام واستغلال الوظيفة العامة والتي اكتشفها جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة وأحالها إلى الادعاء العام، حيث يشير تقرير الادعاء العام بأن عدد قضايا الأموال العامة منذ 2012 وحتى 2016 بلغت 330 قضية بمعدل 66 قضية سنويا. وتتعدد هذه القضايا بين اختلاس ورشوة واستغلال الوظيفة العامة وغيرها، وهذه من غير القضايا التي حفظها الادعاء العام أو التي لم يتم اكتشافها حتى الآن وخاصة تلك المتعلقة بالرشوة إذ أنّها تتم في سرية شديدة وعلى مختلف المناصب الوظيفية كل بحسب مركزه الوظيفي. فهناك من يتقاضى رشوة قد تدفعه ليُبرمَ عقداً بين الراشي وجهة الإدارة أو ليُخلص معاملة أو ليُقدَمَ له طلبه أو ليحصل على ترخيص معين يكسب منه مئات الآلاف عندها لن يبالي إن طُلب منه رشوة بألف أو خمسة آلاف ريال!!

الخطورة المحدِّقة بالمال العام تكمُنُ بشكل رئيس في استغلال المنصب الوظيفي لتحقيق مآرب شخصية فيضرب بمبادئ المسؤولية الوظيفية وبالأمانة والنزاهة والإخلاص عرض الحائط، وعندها يسلك بعض الموظفين حين يجدون أن الفرصة سانحة لاستغلال الموقف ليحقق لهم مصلحة شخصية على حساب مصالح الآخرين.

وقد استطاع جهاز الرقابة المالية والإدارية منذ بداية تأسيسه أن يَحدَّ من الكثير من الحالات الخاصة باستغلال الثغرات في الأنظمة المالية أو في التشريعات القانونية وذلك من خلال تقاريره المتعددة التي تبلغ سنويا قرابة (200) تقرير. حيث انخفضت الجرائم الخاصة بالاختلاس بنسبة كبيرة بسبب استخدام التقنية الحديثة في التحصيل ومتابعة ايصالات التحصيل، حيث لم تعد هناك فرصة للموظف لاستغلال المبالغ النقدية التي تمر بين يديه وناظريه من أجل الاختلاس. ومع ذلك هناك من سوّلت له نفسه بالتلاعب بالبيانات واختلاس مبالغ بطريقة التغيير في المستندات وتحويل المبالغ إلى حساباته الشخصية عن طريق أشخاص آخرين حسنوا النية، أو عن طريق العقود أو الخدمات الوهمية، وهذا إن دل على شيء فإنّما يدل على الإصرار الشديد من بعض الموظفين على الاعتداء الصارخ على المال العام بلا رادع شخصي ولا ضمير واع بحرمة المال العام وكأن هذه الأموال التي نهبوها ستجعلهم يعيشون في راحة وسعادة في الدنيا وتناسوا أن الله تعالى يمهل ولا يهمل.

إن غرس قيم النزاهة لا يكفيها برنامج يراه المخلصون من أبناء الوطن فيقولون في أنفسهم عسى أن يراه المفسدون في الأرض حتى يعوا خطورة المساس بالمال العام، بل لابد من أن يعلم المجتمع أن الأجهزة الرقابية قائمة على حماية المال العام ومكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة في المجتمع، وأن كل من تسوّل له نفسه بالاعتداء على المال العام لابد وأن ينال جزاءه، وأن كشف المفسدون والإبلاغ عنهم للجهات المختصة هو واجب وطني لابد من تكاتف الجميع والوقوف ضد كل من تسول له نفسه ليقّدم مصلحته الشخصية فوق المصلحة العامة.

تعليق عبر الفيس بوك