تكامل القيم وتأثيرها على الفساد (2-2)

 

 

د. سلمى الطائي

 

وعملياً كلما كان البعد بين القيم النظرية والعملية السلوكية الأخلاقية والدينية كبيراً كلما دل ذلك على وجود أسباب لضعف الاعتقاد أو الإيمان بهذه القيم وانتشار الظواهر السلبية المتعددة (كالفساد الإداري) وغيره من الظواهر ومن أهم أسباب التباعد ووجود عراقيل تحول دون تطبيق القيم (السلوكية الأخلاقية والدينية) :

 أولا: ضعف الإيمان بالقيم الاجتماعية والدينية

 ثانيا: ضعف الاعتقاد

 ثالثا: ضعف العاطفة

 رابعا: العراقيل وكثرة وجودها

خامسا: إهمال الحكومات والوزارات المختصة لهذه الأمور وعدم التركيز عليها إعلاميا

وقد يصل هذا البعد أو التباعد بين قطبي المعادلة إلى أقصى حد وهو(النفاق)

ولعل وجود أمثلة على هذا الموضوع من القرآن الكريم والحديث الشريف ومن واقع الحياة اليومية هو خير دليل على هذا الافتراض فإذا رجعنا إلى القرآن الكريم مثلاً فإننا نجد أمثلة على التناقض أو التباعد الموجود بين قيمة الإيمان مثلاً والفعل (السلوك). ومن أمثلة ذلك قول الله عزّ وجلّ في سورة الصف ((ياأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون))

ولهذه الأسباب يجب الاهتمام الجاد على مستوى المؤسسات التربوية والثقافية والإعلامية بهذا الموضوع من الناحيتين النظرية والتطبيقية.. فإن أزمة الثقافة والقيم لن تحل حلاً إبداعيًا وبرمشة عين حيث يؤدي التطور والبناء الحضاري المتكامل إلى حل أزمة القيم والأخلاق حلا سحريا خاصة بالمجتمعات العربية والإسلامية المعاصرة بل هي أزمة تواجه المجتمعات في مختلف مراحل نموها وتطورها، وترتبط بالتكنولوجيا الحديثة والتطور والانفتاح.. ويبدو بوضوح أن هناك علاقة بين أزمة القيم الاجتماعية والدينية وبين المنظومة التربوية والإعلامية( المدرسة والأسرة ووسائل الإعلام المختلفة).

 

ومن المعالجات والحلول في هذا السياق.. يجب أن تؤخذ على سبيل الحصر بل قد يكون هناك مزيد منها حيث يجري التوصل إليها باعتماد بحوث مشابهة ذات آفاق أوسع تتناسب مع ما يمكن أن يتوافر من وقت وجهد وإمكانيات مادية ومؤسسية للتعامل مع الأوجه المختلفة لهذا الموضوع مستقبلا وبدورنا نوصي بالآتي:

1-التأكيد على دور منظمات المجتمع المدني في توعية الأسرة لأنها عامل فعال ومؤثر في الشخص.

2- من الضروري اشتراك الجامعات فضلا عن مراكز البحوث العلمية والاجتماعية في إعادة بناء منظومة القيم المرتكزة على الدين الإسلامي ومما لاشك فيه أن تضافر العمل في المحاور وتداخلها سيكون لها الأثر الكبير في الحد من ظاهرة الفساد الإداري.

 

3- التأكيد على ضرورة دراسة العوامل الاجتماعية والثقافية والتعرف على طبيعتها والظروف المؤدية لمكافحتها ولابد أن تتم مواجهة الفساد الإداري لأن الوقاية هي العلاج الصحيح لكي لا نضطر بعد ذلك إلى البحث عن الدواء فقد نجده أو لا نجده.

4- التأكيد على دور الجوامع والمؤسسات الدينية ودور رجال الدين في تقوية الوازع الديني والأخلاقي في عملية التنشئة الاجتماعية عند أبناء المجتمع والعمل على تعميق القيم السماوية التي جاءت بها الأديان وبالذات الدين الإسلامي الحنيف.

5- تفعيل وتكثيف دور الأخصائيين الاجتماعيين في المؤسسات كافة وجعلهم يمارسون دورهم في الرقابة المستمرة والمتابعة لتحقيق الصالح العام.

6- التأكيد على دور وزارات العمل والشؤون الاجتماعية في تنمية روح التضامن الاجتماعي لدى الفرد وإشعاره عملياً بأنَّ المجتمع يضمن له أسباب الحياة الكريمة في ظل نظام اجتماعي وأخلاقي يحقق المساواة وتكافؤ الفرص للجميع.

7-التأكيد على عمل وزارات التربية والتعليم في تضمين المناهج التربوية مواضيع تساهم في نشر ثقافة النزاهة وحفظ المال العام عن طريق استراتيجية طويلة المدى لتحقيق الولاء والانتماء الوظيفي بين الفرد والدولة.

 

8-وضع قانون يصدر من السلطة التشريعية يعمم على الوزارات والمؤسسات كافة يأخذ بضرورة العمل بمبدأ وضع الشخص المُناسب في المكان المناسب على أساس المنافسة السليمة والصحيحة والعلنية تحت شروط التخصص العلمي والكفاءة.

9- تنمية الحس العام لدى أفراد المجتمع بشكل عام والعاملين بالأجهزة الإدارية بشكل خاص ضد ممارسات الفساد الإداري من خلال وضع خطة إعلامية يساهم في إعدادها ذوو الاختصاصات العلمية المختلفة.

10-ضرورة عمل السلطة القضائية بسن القوانين الصارمة والمانعة للفساد الإداري. والاهتمام بصياغة القوانين والتي يجب أن تنص على الإجراءات والإصلاحات في الأجهزة القضائية لضمان النزاهة واستقلال القضاء.

وهنا يبرز دور الإعلام لدعم منظومة القيم الإيجابية التي تحارب الفساد لتأخذ دورها في بناء الإنسان الجديد وإزالة ما اعتراه من أحداث ومحن وتفعيل القيم الجديدة فكرا وسلوكا وممارسة وتفعيل دور النزاهة بشكل كبير وعدم التقليص في سلطاتها من أجل القضاء على جميع حالات الفساد ومعاقبة مرتكبيها من أجل المحافظة على سلامة وأمن البلاد وتخليصه من المخربين والمفسدين.

ولكن ينبغي أن يبقى الإعلام مستقلاً ولا ينتمي إلى أي طرف أو جهة معينة وهدفه المصلحة العامة فإذا وجد التنسيق والتعاون بين هذه الأطراف المذكورة في بحثنا هذا وكان العمل فيها جدياً يكون هناك احتمال كبير على الأقل في التخفيف من حدة الفساد إن لم يكن التخلص منه نهائياً في وقت لاحق.

 

**كاتبة عراقية

Forat.org@yahoo.Com

تعليق عبر الفيس بوك