حمد بن سالم العلوي
لقد حقق سليل دوح مجد السلاطين العُمانية قابوس المُعظم- حفظه الله وأبقاه- ربطاً حكيماً موفقاً بين إرث العراقة والمجد بنهضة العصر العُمانية، فمن غير عُمان اليوم ينعم بالسلم والوئام، وإجماع الشعب على حُب الوطن والسلطان، أليس قمة النجاح القيادي، أن تجعل الشعب يرص صفوفه من تلقاء نفسه بشغف المحبة للوطن، وذلك خلف قائد فذٌّ مُلهِم، فيُجدد الحب والوفاء في قيادة زعيم رائد حكيم، أحبَّ عُمان وشعبها على السواء، فاتفقا سوياً على صنع السلام بلا هوان، وأن يُعليان أسوار صد للشر والبغضاء من الأعداء، وألا يتركان ثغرة تمرق منها سهام الفتنة المذهبية والطائفية المناطقية، وسائر صنوف المكر والخبث والدهاء بغباء، فكما قال القائد - أعزَّه الله - عام 1994م، إنَّ عُمان أرض خير لا ينبت بأرضها إلا الخير، والخير وحده لا سواه، أمّا بذور الشر والنكد، فلا تربة صالحة لها في أرض عُمان، وهكذا سار وصار بإذن الواحد القهار، ولا شك أنَّ سلطان عُمان يمثل صهوة شعب أصيل، وعُمان بما أسس لها قائدها، فإنّها لا تضل ولا تغوى مهما كانت الظروف أو صارت لاحقاً، لأن الفرع الأصيل يتبع الأصل، وقد عرفنا من ضل عن المنهج العُماني، فليس له قرار في الأرض، فمسلكه كخبط شعواء.
لقد أضحت الدولة العُمانية بتواصلها الوثيق مع أمجادها العميقة، تشع نوراً وضياءً، ذلك بفضل النهج القابوسي الأمين، الذي استطاع خلال أربعة عقود ونيفٍ من الزمن، أن يجعل عُمان تتبوأ مكانتها الحضارية بين الأمم العريقة، وبفضل فكره الرصين النيّر، ونظرته الثاقبة للمُستقبل، جعل عُمان ترتقي بخطى ثابتة في مدارج عُلا المجد، وقد أصبحت دولة مؤسسات وطنية مُتميزة، يحكمها القانون والنظام الأساسي للدولة، وليست مشاعاً كحكم بعض البلدان، التي تُهيمن عليها أهواء الأفراد ورغباتهم الشخصية، وقد كان للقائد ما أراد من حكم بـ (الدستور) كما هو القول المشهور، وذلك بفضل وضوح الرؤية العُمانية واستقامتها، فعُمان اليوم تنعم بالهدوء والاستقرار والسكينة العامة، والنَّاس يعيشون طمأنينة من الجوع والخوف، وهذا هو العمود الصلب التي تقوم عليه الكيانات الحضارية، وذلك برغم ما يُحيط بعُمان من بحار هائجة متلاطمة بأمواج الفتن العاتية، والطيش السياسي والحروب الرخيصة، والتجاذبات العنيفة والخطرة في الوقت نفسه على الجميع.
لقد ظلت عُمان تُبدئ حرصاً شديداً على خصوصية مجلس التَّعاون الخليجي، وقمة هذا الحرص أن يحضر صاحب الجلالة السُّلطان قابوس المُعظم - حفظه الله ورعاه - كل مُؤتمرات القمم الخليجية بهمة وفعالية، وذلك حتى حالت بعض الظروف دون حضوره، وهذا على عكس اهتمامه بمؤتمرات القمم العربية، وكان جلالته - أعزَّه الله - أسرع المتدخلين في حل الإشكالات التي تحدث بين وقت وآخر بين أعضاء المجلس، ولكنني كمُتابع أرى أن مجلس التعاون هذا، قد بلغ اليوم مرحلة جد معقدة، وقد يُؤدي هذا التشنج بالمجلس إلى التفكك، أو الإهمال والإندثار التدريجي في أضعف الأحوال، وعلى عكس ما كنَّا نحلم به من هذا المجلس، فإنَّ الأفق الخليجي في العمل المشترك بلغ مرحلة الإنسداد والتجلط، بعدما تغلب الاحتقان على وشائج القربى، وقد كان أملنا فيها أن تتغلب على كل الخلافات السياسية الطارئة، ولكن تكرار التعقيدات بين الحكام الخليجيين، ونبذ فكر التصالح والتسامح، يغلق الباب أمام تطور منظومة مجلس التعاون، بل أصبح لدينا شك كبير في استمرار بقائه، ما لم تتساوى مصالح الجميع دونما نظر إلى حجم الجغرافيا والسكان والمال، لذلك علينا كعُمانيين ألا نضيّع الوقت، بالركض وراء سراب هارب، بانتظار النمو الاقتصادي الجماعي مع دول المجلس.
إذن يتوجب على عُمان، أن تعتمد على علاقاتها الدولية الممتازة، وأن تنشأ لنفسها كياناً اقتصادياً مستقلاً بها، وقد أهلها استقرارها السياسي والاجتماعي والأمني، وكذلك بنيتها الأساسية، وموقعها الجغرافي المُتميز، وأن تكوّن مركزاً تجارياً عالمياً منافساً، ولن يؤثر عليها حسد الحاسدين وكيد الكائدين، وأن تتعامل مباشرة مع الدول المستقرة، وخاصة تلك التي تُشارك السلطنة تأريخها العريق وجغرافيتها القريبة، كما أنه علينا أن نأخذ بالمُبادرة في دعوة دول العالم للتبادل التجاري معنا، وأن نرحب بالاستثمار الأجنبي على الأرض العُمانية، وأن نبدأ فوراً في كسر العقد البيروقراطية البغيضة، وأن نعدّل قوانين الاستثمار بما يخدم الوطن والمواطن، وأن نراجع بعض الرسوم المُبالغ فيها، وبعض الاشتراطات غير الضرورية.
كما إن السياحة في عُمان تعِد بمستقبل واعد، وذلك بما أنعم الله على عُمان من تنوع جغرافي، وتنوع بيئي ومناخي، فعلى سبيل المثال لو فتح المجال للمستثمرين في مجال السياحة، فجزيرة مصيرة وجزر الحلانيات تُعطي استقلالية في الحركة الحرة، وأن تفتح نظام توأمة مع مواقع سياحية دولية، والسواحل المطلة على بحر عُمان وبحر العرب، تُعدُّ من أروع الأماكن البكر النظيفة الجاذبة للسياحة، وكذلك الجبل الأخضر وصلالة وخريفها العجيب، فهذه مناطق توفر كنوزا سياحية لم تستغل إلى اليوم.
كما أنَّ المطارات والموانئ العُمانية أصبحت جاهزة للاستثمار، وقد أثبتت الأزمات الخليجية المتكررة، أن عُمان مأوى رائع للاستثمار الاقتصادي العالمي الحر، وذلك لثقة الناس في استقرارها، وحسن معدن ومعشر أهلها للترحيب بالناس الغرباء، فها هي تثبت الحكمة العُمانية، إن عُمان تبعد العاطفة والانفعال عن العمل السياسي، ولديها المقدرة للتوفيق بين المتخاصمين والأضداد، فإنها لا تُدخل المزاج الحاد في تعاملها مع الآخرين، وكذلك لا تتأثر بالأمزجة الحادة والمتقلبة لدى الآخرين، وهذا يُعد سر نجاح السياسة العُمانية على مدى العقود الماضية والمستقبلية كذلك، فتقوم فلسفة حيادها واستقلالها على أساس المبدأ الذي أطلقه جلالة السلطان قابوس المعظم - حفظه الله - وهو "الصدق والثبات على المبدأ" وأن أقوى موقف ثابت تقوم عليه السياسة العُمانية، بأنها "لا تتدخل في شؤون الآخرين وترفض بقوة أن يتدخل الآخرون في شؤونها" وإن عدم إلزام الآخرين لأنفسهم بمثل هذه القاعدة، قد سبب وما يزال يسبب الكثير من المشاكل، ويثير التعقيدات بين الدول.
إذن الفرص الاستثمارية المتنوعة التي تعرض نفسها على عُمان، يجب ألا تفوَّت ولا تُصَد بسبب البطء في اتخاذ القرارات الحكيمة بالسرعة المناسبة، لأنَّ الكثير من الخذلان والتردد، قد أضاع على عُمان فرصاً ذهبية لا تعوض، وفي استغلال هذه الفرص ليست فوائد اقتصادية وحسب، وإنما سياسية واجتماعية، وكذلك نجدة للملهوف وخدمة للجار، وللعالم على حدٍ سواء، فليس معقولاً ألا يجد العالم موطئ قدم له لدينا لمرور تجارته، وهذه منطقة وسطية بين الشرق والغرب، والجنوب والشمال، فلا يكف أن نكرِّس سياستنا الخارجية فقط للعلاقات العامة، وألا نستفيد من العالم بشيء نافع، وفي نفس الوقت لا يستفيد العالم من أرض السلام، حفظ الله عُمان أرض وموطن الحكمة وكنانة السلام، وأعزَّ الله سلطان عُمان رجل السلام وعرش المحبة والوئام.