التواضع .. خلق المتقين

 

 

أخي الصائم أختي الصائمة نتحدَّث اليوم عن خُلق عظيم وهو خُلق التواضع فالتواضع يزيد أصحابه في الدنيا رفعة ويمنح أتباعه في الآخرة عزة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "(ما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضَعَ أحدٌ لله، إلا رفَعَهُ اللهُ)" وقال عليه السلام أيضًا: " طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَنْقَصَةٍ، وَذَلَّ فِي نَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَسْكَنَةٍ، وَأَنْفَقَ مِنْ مَالٍ جَمَعَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ، وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ، وَطُوبَى لِمَنْ طَابَ كَسْبُهُ، وَصَلُحَتْ سَرِيرَتُهُ، وَكَرُمَتْ عَلانِيَتُهُ، وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ، طُوبَى لِمَنْ عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ". فما هو التواضع؟

التواضع هو انكسار القلب بين يدي الله رب العالمين وخفض جناح الذل والرحمة للمخلوقين وابتذال النفس في نيل حظوظها عند السالكين بذلك أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)﴾، للتواضع ثمرات ينالها المتواضع في الدنيا والآخرة نذكر منها: الرفعة فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" مِنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ دَرَجَةً رَفَعَهُ اللَّهُ دَرَجَةً، حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي عِلِّيِّينَ، وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ دَرَجَةً يَضَعْهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ" ومنها أيضًا الجنة قال تعالى:"وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً" إلى قوله تعالى " أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً" (الفرقان) ومن ثمرات التواضع أن الله يحب أهله والإكرام في الآخرة.

هناك أمور تساعد على التواضع ومن هذه الأمور ما يلي:

 1- سلامة الصدر عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: « لا يستعان على التواضع إلاّ بسلامة الصدر »، 2- العلم والتفقه: "التواضع ثمرة العلم"، 3- تعظيم الخالق سبحانه وتعالى يقول مولى المتقين عليه السلام: "وأنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظم فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمته أن يتواضعوا له" وغيرها الكثير.

إنَّ التواضع كان عنوان الأنبياء والمرسلين وشارة المتقين والصالحين فقد كان سليمان عليه السلام إذا أصبح تصفح وجوه الأغنياء والأشراف حتى يجيء إلى المساكين فيقعد معهم ويقول: مسكين مع مساكين. ومن مظاهر تواضع النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشارك أهل بيته في أعمالهم ويعاونهم في قضاء حوائجهم فعن الأسود بن يزيد قال:سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلم يَصْنَعُ فِي أَهْلِهِ قَالَتْ كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاَةُ قَامَ إِلى الصَّلاَة". ومن تواضع النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا: "أن رجلاً يوم فتح مكة وقف أمامه ليكلمه فارتعد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هون عليك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد(اللحم المجفف بالشمس) فهذا الرجل كان يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ملوك الدنيا يرتجف كل من يقف بين يديه خوفًا منه فوجده رحيمًا متواضعًا.

أحبتي هناك مظاهر أخرى لتواضع النبي صلى الله عليه وسلم نذكر منها: أنه صلى الله عليه وسلم ذهب إلى السوق فاشترى بعض حاجاته فأراد أحد الصحابة أن يحملها فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملها بنفسه فقال: صاحب الشيء أحق أن يحمله إلا أن يكون ضعيفًا فيعينه أخوه المسلم.

وكان بعض الصحابة رضوان الله عليهم قد رأوا ملوك الفرس والروم يسجد لهم النَّاس من دون الله فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنسجُدُ لك كما يسجدُ الروم والفرس لملوكهم؟ فقال: لا تفعلوا وكان بعض الصحابة يحبون أن يقوموا بين يديه فأبى وقال: إنما أنا بشر مثلكم لا تُعظموني كما تفعل الأعاجم.

التواضع صفة محمودة تدل على طهارة النفس وتدعو إلى المودة والمحبة والمساواة بين الناس وينشر الترابط بينهم ويمحو الحسد والبغض والكراهية من قلوب الناس وفوق هذا كله فإن التواضع يؤدي إلى رضا المولى سبحانه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تواضع لله رفعه الله).

اللهم أجعلنا من المتواضعين والفائزين برضوانك وجنتك .

 

إعداد : رجاء بنت سعيد بن راشد الكلباني

تعليق عبر الفيس بوك