العزري: المبادرة في أداء الزكاة تحقق الأهداف الاجتماعية المبتغاة .. والإسلام يحث المؤمن على البذل والسخاء

 

مسقط - أحمد الجرداني

 

يؤكد الشيخ ناصر بن يوسف العزري مدير عام الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية أنَّ المبادرة في أداء الزكاة تحقق الأهداف الاجتماعية المبتغاة، مشيراً إلى أن الدين الإسلامي يحث المؤمن على البذل والسخاء.

وفي بحثه الذي قدمه لمجمع الفقه الإسلامي في الدورة الثامنة عشرة، أورد العزري أن خير الأمور التي يستبق فيها الإنسان فعل العبادة التي هي ألزم الواجبات المفروضة عليه، مشيرا إلى أهمية أداء العبادات والطاعات في وقتها دون تأخير، لتحقيق المرجو منها وفق ما شرعه الخالق سبحانه وتعالى.

 

 

المبادرة في الزكاة

وعن فورية الزكاة والمبادرة في فعلها يقول الشيخ ناصر العزري : لا شك أن المبادرة في فعل العبادات وإتيانها في أول أوقاتها بعد الوجوب من أخير الأمور وأفضلها على الإطلاق وأسلم للإنسان من أن تقطعه القواطع أو تشغله الشواغل عن فعلها، وقد دل على هذا كثير من النصوص الشرعية فالله تعالى قد حث في كتابه العزيز على الاستباق إلى فعل الخيرات فقال تعالى: "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"، وقال: "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ" وقال أيضا: "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ" ومدح الأنبياء بقوله تعالى: "إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الخيرات" وقوله تعالى حكاية عن موسى: "وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لترضى" ولا شك أنَّ خير الأمور التي يستبق فيها الإنسان فعل العبادة التي هي ألزم الواجبات المفروضة عليه، قال أبو جعفر الطبري في تفسير قوله تعالى: "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ": فبادروا أيها الناس، إلى الصالحات من الأعمال، والقُرَب إلى ربكم، بإدمان العمل بما في كتابكم الذي أنزله إلى نبيكم، فإنه إنما أنزله امتحانًا لكم وابتلاءً، ليتبين المحسن منكم من المسيئ، فيجازي جميعكم على عمله جزاءَه عند مصيركم إليه، فإن إليه مصيركم جميعًا، فيخبر كلَّ فريق منكم بما كان يخالف فيه الفرقَ الأخرى، فيفْصَل بينهم بفصل القضاء، وتُبِينُ المحقَّ مجازاته إياه بجناته، من المسيء بعقابه إياه بالنار، فيتبين حينئذ كل حزب عيانًا، المحقَّ منهم من المبطل.

وقال القرطبي: قوله تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ): أي سارعوا إلى الطاعات، وهذا

يدل على أن تقديم الواجبات أفضل من تأخيرها".

وحول تفسير الآية "فاستبقوا الخيرات"،يقول الشيخ ناصر: وجاء في تفسير البحر المحيط: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ): هذا أمر بالبدار إلى فعل الخير والعمل الصالح . وناسب هذا أن من جعل الله له شريعة، أو قبلة، أو صلاة، فينبغي الاهتمام بالمسارعة إليها. ويظهر هذا جليا في نسق الأوامر الشرعية التي جاءت تطالب بفعل العبادة وتحث عليها، تشير في أغلبها إلى الاستباق في فعل الخيرات، والمسارعة في أداء الواجبات. فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا". وقال ابن بطال : "إن الخير ينبغي أن يبادر به، فإن الآفات تعرض والموانع تمنع والموت لا يؤمن والتسويف غير محمود، وزاد غيره: وهو أخلص للذمة وأنفى للحاجة وأبعد من المطل المذموم وأرضى للرب وأمحى للذنب".

وتابع الشيخ العزري: لا ريب أن هذا الأمر السابق لا يخالف فيه أحد من أهل العلم في شأن أفضلية المسارعة في فعل العبادة ويبقي الخلاف بينهم في وجوب فورية ذلك أو جواز التراخي فيه وهي مسألة أصولية مشهورة، هل الأمر يجب على الفور أو يجوز التراخي فيه؟ وعليه بحث مسألتنا هنا هل يجوز التراخي في دفع الزكاة أم يجب الفور في إخراجها، والمشهور عند أصحابنا الإباضية والحنفية جواز التراخي فيها ما دام صاحبها مقرا بأدائها فمتى أداها عد ممتثلا، إلا إن أصحابنا الإباضية يرون جواز التراخي فيها في وقت لم يكن فيه إمام أما إن كان هناك إمام وطلبها فيجب دفعها إليه على الفور.

ويستشهد العزري بما قاله الشيخ السالمي: "فإن كان قد طلب الإمام الزكاة أو نائبه فلا يسعه التأخير عن وقت الإمكان إجماعا لما تقدم من إجماع الصحابة على قتال المانعين، والمؤخر بغير عذر في حكم المانع"، وقال أيضا: "وأما إذا لم يكن في وقت إمام أو لم تطلب منه فقيل: لا يسعه تأخيرها عن وقت الإمكان أيضا لأنه مأمور بأدائها، ومأمور بالمسارعة إلى مغفرة من الله ورحمة فيقتضي ذلك وجوب المسارعة إلى أدائها في أول وقت الإمكان، فإن أخرها عد عاصيا، وهو قول أبي محمد وكثير من العلماء. وقيل: يسعه التأخير من حال إلى حال ما كان في نيته الأداء لأن الله تعالى أمره بأدائها أمرا مطلقا لم يحدده بوقت دون وقت فمتى أداه عد ممتثلا فلا يعص بالتأخير عند ما لم يقصد الترك، وهو قول جمهور المشارقة، وجزم به محمد بن روح، وصححه أبو سعيد.

وأكد العزري أن القول بجواز التراخي فيه خطورة بالغة لا تخفى على اللبيب يؤدي إلى ترك الزكاة والتهاون فيها، والناظر في أحوال الناس يجد أثر ذلك واضحا فكم من رجل عنده من الأموال الكثيرة يؤخر زكاة ماله والفقراء من حوله يموتون جوعا، وكم من رجل يموت ويوصي بزكاة ماله -هذا إن أوصى-  فلا ينتفع الفقراء من ماله بشيء وربما قام ورثته بنفس فعله فأخروا الزكاة وحصدها من بعدهم بالخلف والمطال وهكذا تؤول الزكاة إلى الترك فيهدم ركنها وينسى فعلها والفقير تحطمه أنياب الدهر بصريفها، وتعتوره بصروفها، والإسلام حينما حض على الإنفاق وفضل المنفقين على غيرهم أراد من ذلك تعويد المؤمنين على البذل والسخاء ووصولا بهم إلى الواجب عليهم إخراجه من أمر الزكاة فيخرجونها طيبة بها نفوسهم "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ".

وبين أنه رغم أن الإنفاق أصبح عسيرا في أوساط الناس فلم يتبق للفقير إلا حقه الذي أمر الله به، فهل يتأتى أن يصل إليه حقه مع القول بالتراخي وسلامة فاعله والفقراء من بني جلده يرقبهم يموتون أمام عينيه، ثم بجانب هذا هل هذا من باب التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله تعالى به أم هو من باب المسارعة إلى الإثم والعدوان اللذان حذرنا المولى جل وعلا منهما، قال تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"، وهل هو من باب إشاعة الخير بين المؤمنين أم من باب إشاعة الفاحشة بينهم، فقد قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ".

تعليق عبر الفيس بوك