مشاركة المرأة البحرينية في المسيرة البرلمانية

 

عبيدلي العبيدلي 

"في إطار متابعة تنفيذ محاور الإطار العام لبرنامج التمكين السياسي للمرأة"، نظم "معهد البحرين للتنمية السياسية" بالتعاون مع "المجلس الأعلى للمرأة" البحريني، "طاولة حوار مستديرة"، ضمّت مجموعة من الخبراء والمختصين، سوية مع بعض إطارات المجلس الوطني بحجرتيه: البرلمان والشورى، من أجل "استطلاع رأيهم حول واقع المرأة البحرينية في المشاركة السياسية (الانتخابية). 

اكتسب اللقاء ضرورته، ومن ثمّ أهميته من مجموعة من المحاور التي تناولها والمنطلقات التي تمسك بها، ومن بين الأهم فيها 

·        التوقيت، فطالما كان تركيز النقاشات واتجاهها منصبة على قضية سياسية تهم المواطن البحريني بوجه عام، والمرأة على وجه الخصوص، هي المشاركة في انتخابات 2018،  فإطلاق منصة حوار في هذه المرحلة المبكرة من أجل الاستعداد لانتخابات مجلس 2018 تعطي المرأة البحرينية مجالا واسعا وفترة زمنية لا يستهان بها من أجل التهيؤ، لمن تريد، خوض غمار تلك الانتخابات، سواء على مستوى قراءة الخارطة السكانية والسياسية للدائرة التي تفكر الترشح فيها، او حتى المشاركة الانتخابية عند اتخاذ قرار اختيار المرشح الذي تأتي قضايا المرأة في صلب مشروعه الانتخابي، وبرنامجه الوطني. 

·        خارطة المشاركين الذين مثلوا، إلى حد بعيد، أوسع مساحة ممكنة من الناشطين في المشهد السياسي البحريني، سواء من حيث السن، الذي تراوح بين الشباب المتحمس، والأربعيني الناضج، ومن تجاوز ذلك ممن يختزنون تجربة سياسية غنية سواء في العمل البرلماني المباشر، أو في حقول الأنشطة السياسية ذات العلاقة، أو من حيث النوع الاجتماعي (الجندر)، فلم يحتكر الرجل مقاعد المشاركين الذين شكل الحضور النسائي نسبة عالية فيه. 

·        الموضوع، الذي تحاشى العمومية، فجاء مكثفا حول قضية واحدة هي المشاركة النسائية في الانتخابات البرلمانية، الأمر الذي حال بدرجة كبيرة دون تشتت أفقي يبحث في قضايا المرأة بشكل عام، أو حتى دورها السياسي في إطار واسع. وهكذا انصبت النقاشات عموديا حول محور مفصلي هو مشاركة المرأة في العملية الانتخابية، بما تحمله هذه المشاركة من تحديات تواجه المرأة، والفرص التي تتيحها لها من أجل انتزاع حقوقها، وتعزيز مكانتها الاجتماعية من خلال حضورها السياسي المؤثر في المشهد البرلماني. هنا كانت هناك إطلالة سريعة تدعو إلى التمييز بين مشاركة المرأة المباشر، ومشاركة من يهتم بحقوق المرأة وقضاياها. 

·        التحضير، حيث أسس أمين عام المجلس الأعلى للمرأة هالة الأنصاري أرضية صلبة للنقاش تمثلت في مجموعة "شرائح" عرض غطت التجربة النائية في مسيرة العمل البرلماني منذ انطلاقة المشروع الإصلاحي في مطلع القرن 21، وما صاحبه من تأسيس المجلس الوطني، بحجرتيه: البرلمان المنتخب، ومجلس الشورى المعين. واكتظت مجموعة الشرائح تلك بالكثير من الأرقام الإحصائية التي يمكن، متى ما استخدمت على نطاق أوسع أن ترسم صورة واقعية للمشوار الذي قطعته المرأة البحرينية على طريق المسيرة الانتخابية.

على تلك الأرضية الصلبة، الممزوجة بأرقام ومستخلصات وردت في مداخلات المشاركين، يمكن رسم إطار سريع وعام للحوارات التي جرت، يقوم على النقاط التالية: 

1.       تقويم الخبرة التي تختزنها المرأة البحرينية من خلال مشاركتها في العملية الانتخابية، بكل ما حملته تلك المشاركة من سلبيات وإيجابيات كذخيرة حية لا ينبغي التفريط فيها عند تدشين أية خطة من أجل تعزيز مكانة هذه المرأة في الانتخابات المقبلة. وعند الحديث عن غنى هذه التجربة فمن الخطأ القاتل الوقوع في أسر نزعة نرجسية تتباهى بالإنجازات، وتطمس معالم الإخفاقات. فمصدر ذلك الغنى هو المزيج الحي الديناميكي بين المكاسب والخسائر. ويتسع نطاق ذلك المخزون كي يشمل عملية المشاركة بزواياها الثلاث: الاستعداد لخوض الانتخابات والمشاركة فيها، ثم ممارسة العمل البرلماني لمن حالفهن حظ الفوز، وأخيرا المرحلة اللاحقة التي تتمحور حول من غادرن العمل تحت قبة البرلمان بعد انتهاء الدورة النيابية! 

2.       التحديات التي تواجهها المرأة البحرينية، دون الرجل، عند خوضها غمار المعارك الانتخابية، أو في مرحلة لاحقة عند الفوز بمقعد نيابي، وهنا كانت هناك وقفة مطولة أمام التحديات التي يفرزها الموروث الثقافي والحضاري في وجه المرأة، وضرورة أخذها بعين الاعتبار عند التخطيط الجماعي لمشروع نسائي برلماني. واستحوذت هذه النقطة على نسبة عالية من المداخلات التي تطرقت بشيء من التفصيل إلى التركيبة الاجتماعية والثقافية للأسرة البحرينية، وتداخل الخلفيات الدينية مع التكوين الثقافي للمواطن البحرين، ذكرا كان ذلك المواطن أم أنثى. 

3. علاقات التأثير المتبادل بين نمط الإنتاج الاقتصادي للمجتمع البحريني، والسلوك السياسي للفرد الذي يعيش فيه، ويتأثر بإفرازات بنيته الفوقية كمحصلة طبيعية لآليات عمل ذلك النمط الإنتاجي. وفع البعض علامة استفهام حول إمكانية نمط انتاج ريعي، كما هو الحال بالنسبة للسمة الرئيسة لنط الاقتصاد البحريني، ان يفرز تجربة برلمانية، على النحو المطلوب، نسائي كان ذلك الافراز ام "رجولي". وفي ضوء ذلك كيف يمكن لكتلة نسائية أن تشكل حالة مختلفة، تتمرد على قوانين ذلك الاقتصاد، وتجاهد من أجل تجاوزها بشكل إيجابي. 

4. الحاجة إلى بناء منظومة ما أصبح يعرف "نظام الصدى"، وهو ترجمة حرفية مباشرة لـ (Ecosystem)، بكل متطلبات بناء مثل هذه المنظومة التي ينبغي لها، أن أريد لها أن تكون نتائجها دقيقة، أن تبنى على تجميع، وتحليل، وتركيب معلومات أقرب ما تكون إلى الواقع. مثل هذه المنظومة العلمية، من شأنها، متى ما أقيمت بشكل علمي سليم أن تساهم في وضع أساس راسخ لمشاركة نسائية برلمانية ناجحة في مراحلها الثلاث: قبل الانتخابات، وبعد عملية الفوز، وفي أعقاب انتهاء الدورة البرلمانية.

كانت الحوارات ساخنة، والمداخلات متفتحة، وهذا ما أضفى على اللقاء أجواء حيوية، قاد إلى ضرورة تكراره كي يتحول هو الآخر مفصلا في دوران عجلة العملية السياسية، وليس الانتخابية فحسب، في المشهد البحريني الكبير.