لا تتجاهل ذاتك

حنين سليمان علقم

ما إن تتسارع الأيام وتمضي، ويأتي هلال ويذهب آخر مبشرا باقتراب الشهر الفضيل، وما إن تبدأ الأجواء الإيمانية الرائعة الخاصة في رمضان في الظهور، إلا وتبدأ موجة من السخريات والتعليقات والانتقادات اللاذعة لما يسلكه الناس من سلوكيات خاطئة في التجهيز والتحضير لشهر رمضان تجتاح مجتمعاتنا، وتعتلي جلساتنا وتقيم في أحاديثنا وتصبح الشغل الشاغل لنا. وبهذا الصدد يحاول الناس انتهاز الفرص المناسبة ﻹدخال تلك التعليقات في أي حديث سواء كان يمت أم لا يمت بأي صلة لرمضان فتجد أحدهم يقول: اقترب شهر رمضان واقترب معه موعد الإسراف في الطعام، وآخر يقول-ومن باب السخرية-أن شهر رمضان تحول بفعل الناس إلى شهر طعام لا شهر صيام. أما الأعقل بينهم فتراه يسدي النصيحة ﻷهله وذويه بالانتهاء من شراء احتياجاته الخاصة في رمضان بأسرع وقت ممكن قبل أن تبدأ أفواج الناس باقتحام المحال التجارية لعلم مسبق منه أن تلك المحال لن تجد سوى الازدحام الشديد في أراضيها وأنها لن تجد في طريقها سوى بيع المزيد من البضائع الاستهلاكية مع اقتراب الشهر الفضيل. وبالتزامن مع تلك الموجات العاتية تبدأ التحليلات الاقتصادية والاجتماعية في الظهور مفسرة بذلك السلوك الاستهلاكي للأشخاص من نواحي وجوانب عدة سواء كانت تلك النواحي تبحر في عالم الاقتصاد والسوق والإنتاج والاستهلاك أو من نواح اجتماعية بحتة متطرقة للعادات والتقاليد التي تحكم تصرفات وسلوك الأشخاص في شهر رمضان المبارك.

المصيبة الحقيقية لا تكمن هنا فحسب، وإنما تظهر جلية عندما تسمع أحدهم يتفوه بتلك الانتقادات، بينما هو يبتاع بضائع. لرمضان لا يفكر أحد بحصرها وعدها مستهلكا -وفي كافة الأسواق المتاحة-وقتا أكثر من أي وقت مضى في السنة، والآخر وبينما هو ينظر بعين الحسرة إلى تلك الموائد الرمضانية متأسفا على ألقي منها في سلة المهملات، تراه بالوقت ذاته يلقي ببقايا مائدته التي أسرف فيها بشكل مبالغ فيه في سلة المهملات. فعندما يتعلق الأمر بأخطاء غيره تتوسع مداركه وتزداد قوة البصر لديه إلى أقوى عدسة عرفها التاريخ، إلا أن قوة البصر هذه تضمحل لديه فور تعلق الأمر به شخصيا. وكأن ما كان ينعت بالسلوك الخاطئ لدى غيره هو ذاته قمة الصواب لديه.

إن موضوع السلوك الاستهلاكي للمسلمين في شهر رمضان المبارك حظي باهتمام العديد من الكتاب والعلماء والمفكرين والأدباء، ولطالما خرجت المقالات الكثيرة عن صمتها، ودعت بكل ما أوتيت من قوة ورجاحة عقل ولسان، الصغير والكبير إلى محاولة التحكم في السلوك الاستهلاكي الخاص بشهر رمضان، ومن الناحية النظرية فإن تلك المحاولات يمكن وصفها بالناجحة، إذ استطاعت وبلا أدنى شك، أن تسيطر على عقول وأفكار الأشخاص  وتجعلهم يشنون الحرب على كل من سلك واتبع طريق السلوكيات الخاطئة في شهر رمضان الفضيل، وجعلتهم يصفون غيرهم بالمسرفين الذين لا يعرفون للمال والوقت أية قيمة تذكر فهم يعمدون لشراء بضائع لا حاجة لها من الأساس ولا يستفيدون من ذلك سوى إضاعة المال والوقت، ولكنها- وللأسف الشديد- لم تفلح في جعل هؤلاء الأشخاص  يشنون هذه الحرب  على أنفسهم وذواتهم. فمرض انتقاد الغير دون الالتفات للنفس، بدأ يستشري في مجتمعاتنا شيئا فشيئا حتى أصبح في بعض الأحيان من الأمور التي لا يجوز النقاش بها على الإطلاق، كما أصبح أحد مكوناته التي يعمد الناس إلى تنميتها بكافة السبل المتاحة، دون أي تبرير يذكر في هذا الشأن ولكن كما يقال أن النفس هي الميدان الأول فمن كان عليها قادرا كان على غيرها أقدر ومن كان عنها عاجزا  كان عما سواها أعجز ... فأرجوكم أيها المسلمين، و أيها الصائمين، كفوا عن نقد غيركم والتفتوا لأنفسكم، كفاكم انهيالا على المسرفين بالنقد اللاذع وأنتم لستم بالمقتصدين، كفوا عن رضاكم وإعجابكم عن أنفسكم، كفوا عن التهجم على أصحابكم وانظروا إلى ذواتكم وقبل أن تحاولوا أن تصلحوا غيركم ، أرجوكم حاولوا إصلاح أنفسكم فإن رحلة البداية من عندكم وليس من عند الآخرين. 

ختام القول: لا تتجاهلوا ذواتكم في بداية الإصلاح وادعوا لأنفسكم ولغيركم بالصلاح والثبات والهداية...

تعليق عبر الفيس بوك