في جلسته الثانية

"مجلس القيم" يستعرض أبرز تحديات قطاع التعليم في السلطنة وسبل معالجتها

...
...
...
...
...

 

≤ المناهج التعليمية وطرق التدريس بحاجة لتطوير يواكب مُتطلبات العصر

≤ التعليم عملية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع

≤ مُعلِّمون يُطالبون بإشراك كافة عناصر المنظومة التعليمية في وضع المناهج

≤ مواطنون يؤكدون أهمية إعداد معلمين أكفاء في المراحل الأولى للتعليم

≤ وكيل التعليم والمناهج: يجب ألا نغفل دور الأسرة في الرُّقي بالعملية التعليمية

≤ رئيس مركز قيم: القيم لا تغرس بالتلقين إنما بالممارسة الفعلية

 

 

نَظَّم مجلسُ قيم جلسته النقاشية الثانية "التعليم المدرسي: هل حقَّق طموحاتنا فيه؟"، بحضور سَعَادة الدُّكتور حُمُود الحارثي وكيل وزارة التربية والتعليم للمناهج، وعدد من المعنيين بقطاع التعليم في السلطنة؛ وذلك في مركز قيم بقصر البشائر بولاية السيب، وهدفتْ الجلسة إلى الاستماع لآراء المجتمع فيما يخصُّ القضايا التعليمية في السلطنة، واستعراض أبرز التحديات التي تواجه التعليم وسبل معالجتها.

واسْتُهِلت الجلسة بكلمة د. صالح الفهدي رئيس المركز؛ قال فيها إنَّ "التعليم بحر واسع لا تحصيه جلسة واحدة؛ لذلك تمَّ تحديد محوريْن أساسيْين؛ يتعلَّق الأول بالمنهج التعليمي ومدى ملامسته للواقع، والثاني يتحدَّث عن تكوين شخصية الطالب بعد 12 عاما دراسيا.

 

مسقط - أحمد المعْمَري - الأزهر الرَّحبي - علي المعْمَري

 

بعد ذلك، تمَّ عَرْض فيلم من إنتاج قناة سند الفضائية، معدُّ خصيصَا للجلسة، حول قضية التعليم؛ يستعرض آراءَ المواطنين وتوجُّهاتهم واقتراحاتهم لتطوير التعليم في السلطنة، والذين أكَّدوا على أهمية استخدام الأساليب التقنية في التعليم وتطوير الطرق التقليدية للدراسة، وجعل المناهج ثنائية اللغة، وأنْ تكون شاملة للواقع الذي نعيشه بأساليب أكثر فاعلية، وأهم المهارات التي يجب أن يتعلمها الطفل في مراحله الدراسية الأولى، وتنمية قدراته الإبداعية والاهتمام بالإنتاجية.

 

الهدف إنسان صالح

عقب ذلك، استهلَّ د. سيف بن ناصر المعمري أستاذ مُشارك بكلية التربية من جامعة السلطان قابوس، حديثَه بطرح سؤال: لماذا تُوَاصِل السلطنة اهتمامها بالتعليم الآن؟ وأجاب: لأنَّ البلاد تحتاج للشباب وقدراتهم لدفع عملية التنمية في مختلف المجالات، فهم الأداة الرئيسية.

وأشار المعمري إلى أنَّ شخصيَّات الآباء في السابق تختلف عن شخصيات الأبناء في الوقت الحالي، وهذا نتيجة أساليب التعليم واختلافها حسب المراحل والتطورات التي مرَّ بها التعليم منذ بداية النهضة المباركة. وأكد أنَّ وظيفة التعليم هي إضافة معارف ومهارات جديدة للمتعلم باستمرار.

من جانبها، قالت نادية المكتومية مُدرِّبة في المركز التخصصي التابع لوزارة التربية والتعليم: علينا أنْ نُعلِّم الابن التعامل مع العالم بأسره وليس من حوله فقط. لذلك يجب أن يزوَّد بالمهارات والمعارف التي تجعله فعلاً إنساناً قادراً على التعاطي مع معطيات الحياة. مشيرة إلى أنَّ الطفل اليوم أصبح بإمكانه التعامل مع مختلف أطياف العالم بكبسة زر من غرفته.

 

هل تلامس المناهج الواقع؟

بعد ذلك، بدأت مداخلات الجمهور حول محور "المنهج التعليمي ومدى ملامسته الواقع"، وتحدَّث خالد السيابي مُعلِّم لغة عربية مُنتقداً عدم الأخذ برأي المعلمين عند وضع المناهج الدراسية، بل يتسلمونها جاهزة وعليهم اتباعها فقط، ولكن هذا ليس الأساس في وضع المناهج، بل يجب إشراك كافة المنظومة التعليمية في وضعها، وأكَّد على أهمية مقترح د. صالح الفهدي بتطبيق مادة القيم التي تتضمن عناوين مثل التسامح والمواطنة وغيرها.

وردَّتْ نادية المكتومية على المداخلة بقولها: إذا اقترحنا تطبيق منهج خاص لتدريس القيم، فما الفائدة من تعليم أبنائنا مواد اللغة العربية والعلوم وبقية المواد الأخرى؟ في الأساس هذه المواد تأتي ضمن منظومة قيمية مدروسة؛ بحيث تُغْرس هذه القيم في الطلاب عند شرح المواد، ولكن يبقى الدور الأكبر للمعلم في كيفية إيصال هذه القيم.

وقال د. صالح الفهدي: عندما نتحدث عن القيم، فإننا نتحدث عن الأخلاق التي يجب غرسها في الطلاب، سابقًا في المدرسة السعيدية كانت تدرَّس مادة خاصة بالأخلاق تسمى "مادة التهذيب"، واليوم اليابان تقرِّر تدريس مادة الأخلاق إجباريًّا مع بداية العام المقبل، ونحن إذا ما قلنا إنَّ مناهجنا تحتوي على قيم، ففي المقابل هذه القيم لا بد أن لا تُغرس في الطالب بطريقة التلقين، بل يجب إيجاد طرق تتناسب مع هذا الجيل حتى يقوم الطلاب بتكرار هذه القيم حتى تصبح سلوكا، وبالتالي يصبح الخروج عنها شذوذا عن القاعدة.

 

مهارات وقيم

وأكَّدتْ السيِّدة تماضر آل سعيد على ما قالته المكتومية حول أسلوب المعلم، وكونه هو الأساس في ربط المنهج بالواقع؛ حيث إنَّ الطالب اليوم في المدرسة يعتقد أنه إذا حصل على علامات جيدة، فهذا يعني أنَّه جيد في المدرسة ولكن الواقع غير ذلك، فمن خلال خبرتي في الجامعة هناك الكثير من الطلاب الخريجين كانت درجاتهم عالية جدا، ولكن تكيفهم مع الواقع غير جيد. وأضافت: يجب على المعلم أن يراعي الفروق الفردية بين الطلاب حسب مستويات، كالذكاء اللغوي والفني والسمعي والبصري والحسي.. وأوضحتْ أنَّه من الصَّعب جدًّا إنتاج منهج جديد سنوي بناء على المتغيرات التي تحدث، لكن يجب أن يراعى الهدف عند طرح الموضوع الواحد حتى لو كان قديما وألا يكتفى بأسلوب السرد والتلقين، لأن هذه الطريقة ربما كانت مجدية في الماضي عندما كان المصدر الوحيد للمعلومة هو المعلم والكتاب فقط، أما اليوم فالطالب يستطيع أن يحصل على المعلومة من مصادر مختلفة وعند سماعه لأي معلومة يتوجه للبحث عنها مباشرة في الإنترنت أو مصادر أخرى؛ فأسلوب المعلم وتأهيله له دور مهم في خلق شخصية الطالب حتى يستطيع التعامل مع معطيات الحياة فيما بعد.

وردَّ د. سيف المعمري حول مفهوم المنهج وأنواعه بالقول: فيما يتعلق بمفهوم المنهج كما سأل البعض، فأود أن أوجه عدة تساؤلات: هل يوجد منهج واحد اليوم يطبق في المدارس العمانية التي بلغت أكثر من ألف مدرسة؟ ثم هل الوزارة يمكن أن تطبق منهجاً واحداً في كل المدارس؟ أنا أرى أنه يوجد لدينا 3 أنواع من المناهج؛ وهي أولا: المنهج الرسمي وهو الذي تطبقه الوزارة في المدارس ويفترض أن يقوم المعلم بتدريسه للطالب ويختبره من خلاله، ثانيا: المنهج الخفي وهذا يشمل كل ما يدور من تفاعلات داخل المدرسة، وشخصية المعلم وتصرفاته مع الطلاب، وتصرفات الطلاب مع بعضهم بعض. ثالثا: المنهج المنفذ وهو اليوم يوجد بعدد المعلمين بالمدارس، فلو افترضنا أن عدد المعلمين 55 ألف مُعلِّم إذا يوجد لدينا 55 ألف منهج، ولا يجب الاستغراب من هذا العدد، ذلك لأن كل معلم حسب فهمه للمنهج يعيد تفسير ما وضع به من قيم؛ لذلك تحدث أحيانا بعض الأخطاء ربما تكون لقلة التدريب أو قلة الإعداد، وما يحدث أحيانا أن يكون المعلم متسيِّبا فيلغي مجموعة من الدروس أو يطلب من الطلاب حذفها؛ فمن رأيي أن شخصية الطالب مهمة جدا لفهم المنهج.

وأضاف المعمري: بعد العام 2011، بدأ الناس يطالبون بتغيير المناهج، ومن وجهة نظري كان يجب أن يتم إعادة النظر في بيئة المدرسة، ويُنظر للمنهج الخفي بدلا من تغيير المنهج، وأن نجعل القائم يعمل، لأن القضية لا تكمن في تجديد المنهج وتغييره فإذا تم إعادته وتوجيه إلى نفس البيئة، فما الفائدة والجدوى من ذلك؟!! فأرى أنَّ هذه من القضايا المهمة التي يجب الأخذ بها في الاعتبار.

 

دور القدوة والأسرة

وعقَّب سعادة الدكتور حمود بن خلفان الحارثي وكيل وزارة التربية والتعليم للتعليم والمناهج، على قضية المناهج.. قائلا: النقطة الأساسية تتعلق بتعريف المنهج؛ فللأسف كثير من الناس افترض أنه موجود فقط في الكتاب المدرسي، لكن كما ذكر د. سيف المعمري هناك المنهج الرسمي والمخفي، إضافة إلى طرق التدريس، وهنا يجب علينا تذكر أهمية دور القدوة.

وفيما يتعلَّق بالمنهج الدراسي عادة كل درس يتكون من 3 عناصر رئيسية؛ هي: المعارف والقيم والمهارات، لكن عندما نُرِيد تطبيق القيم والمهارات يفترض على المعلم أن يكون لديه هذا الجانب والتدريب الذي يعد المعلم إعداد صحيح. وأشار سعادته إلى وجود 3 عناصر أساسية لتطوير التعليم في السلطنة على الأقل في المراحل المقبلة؛ وهي: البقاء أو الإبقاء أو البحث وتطوير معلم مجيد. وفيما يتعلق بالمعلم المجيد فهو العنصر الأساسي، وإبقاء المعلمين الجدد من خلال الحوافز وغير ذلك والبحث عن معلمين جدد يتطلب حديث طويل.

وأكَّدتْ عزيزة راشد على أهمية دور الأسرة، وتأثيرها على التحصيل الدراسي للطالب. موضحة أنَّ هُناك العديد من المشكلات التي تحدث في المدرسة وتكون سببها الأسرة؛ فقد تكون بالتالي السبب في التأخير الدراسي عند الطالب في بعض الأحيان.

وعقَّب د. صالح الفهدي بالقول: مَنْ يَصْنَع الأسرة؟ التعليم بلا شك، نعم الأسرة تتحمل جزءاً من المسؤولية، ولكن هل تمَّ إعداد الأسرة بصورة مُمنهجة ومُخطط لها من خلال التعليم من مُنطلق "الأم مدرسة إذا أعددتها"؟ الأم مدرسة نعم، ولكن هناك شرط وهو "إذا أعددتها"، وهذا يعني إعدادها بالتعليم، وبالتالي لا بد أن يكون التعليم هو الذي يعد الأسرة للمستقبل من خلال منهج، أو مواد معينة أو أنشطة معينة.

بَيْنَما أكَّد مُحمَّد بن علي الحديدي على أهمية دور الأسرة التي يكتسب الطالب منها القيم، وهي المسؤولة عن التربية والداعم والمكمل لدور المدرسة. وأشار إلى أنَّ المناهج لا تحتوي على كل شيء، ولا بد أنَّ تكون ثنائية اللغة تماشيا مع سوق العمل ومتطلبات القبول الموحد في الجامعات والكليات. ويلاحظ أنَّ بعض الأسر تلحق أبناءها بالمدارس الخاصة نظرا لأهمية اللغة الإنجليزية.

وقال سالم بن سعيد الهنائي معلم سابق: من الضروري أن تكون هنالك رؤية واضحة للتعليم في سلطنة عمان، وأن تبنى هذه الرؤية على ماذا نريد من التعليم. وأكد على أهمية التعليم في المراحل الأولى للطالب؛ باعتبارها قاعدة أساسية يجب أن يُعدُّ المعلم إعدادا جيدا لهذه المرحلة.

من جانبه، أشار اللواء متقاعد يحيى بن رشيد آل جمعة إلى أهمية اللغة العربية، وضرورة تعميقها في حياتنا اليومية، خاصة وأنَّ هناك الكثيرَ من الشباب لديهم أخطاء فادحة في الكتابة.

وأكَّدتْ نادية المكتومية على أهمية الشراكة في التعليم بين المدرسة والمجتمع والمنزل. وقالت: على المعلم أن يكون منهجا للقيم والأخلاق داخل وخارج المدرس، وحتى لا نهضم حق وزارة التربية والتعليم تم إنشاء المركز التخصصي الذي وضعت الوزارة جل اهتمامها فيه وأسس لمعالجة الفجوات في التعليم وهذه المعالجة تتطلب وقت بطبيعة الحال.

وأوضح د.سيف المعمري أنَّ هناك حاجة لإعداد أكفاء لمعالجة مشاكل المجتمع، والاهتمام بشخصية الطلاب ومراعاة ثقافة التعبير عن الرأي. وأضاف: شخصيا مُؤمن بأهمية وجود الأسرة في العملية التعليمية، ويمكن القول بأنَّ الأسرة ضعيفة في هذا الجانب، بينما المدرسة قوية جدا لما تضمهم من مُختصين وإداريين؛ فالأم والأب قد يكونا أميين وتركيزهما على توفير لقمة العيش وتربية الأبناء.

 

نتائج وتوصيات

وتضمَّنتْ توصيات ونتائج الجلسة الثانية من جلسات مجلس القيم: أنَّ إشراك كافة عناصر العملية التعليمية في إعداد المنهج الدراسي أمر ضروري، وإعداد إستراتيجية تعليمية قائمة على قانون خاص للوصول للأهداف الحقيقية من العملية التعليمية، وإعادة النظر في المناهج التي تدرس الآن والوقوف عليها من أجل تطويرها وإعادة صياغتها، والابتعاد عن الطرق التقليدية والاهتمام بتطوير الوسائل التعليمية الحديثة التي تمكن الطالب من تحصيل المعرفة.  كما أوصت الجلسة بالاهتمام بمادة المهارات الحياتية، وإعداد معلمي هذه المادة إعدادا سليما لا يقتصر على الدورات البسيطة، والعمل على تنظيم المؤتمرات والندوات التي تختص بمناقشة الأمور المتعلقة بالمنظومة التعليمية من أجل الوقوف على العقبات التي تعيقها ومحاولة حلها.

كذلك أوْصَت بزيادة تثقيف وتوعية المجتمع بأهمية دور الأسرة في مساعدة باقي عناصر المنظومة التعليمية لإعداد جيل واعد مُتعلِّم مُثقف من طلاب المدارس، إضافة إلى إيجاد مصادر تعليمية مفتوحة تمكن الطالب من الاستفادة منها.. وأكدت التوصيات على أنْ تكون المناهج قادرة على تمكين الطالب من القدرة على التحليل والربط، ولا تقتصر على تلقي المعارف الثابتة فقط، إضافة إلى تحسين الظروف المهنية للمعلم لتساعده على أداء واجبه المهني بكفاءة.

تعليق عبر الفيس بوك