دعا إلى الحذر من المسارعة في الإثم والعدوان

الخروصي: على المسلم اغتنام نعمتي الصحة والشباب في أداء الأعمال الصالحة.. والفرائض مقدمة على النوافل

 

 

مسقط - أحمد بن سعيد الجرداني

 

حثَّ فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة المسلمين على اغتنام نعمتي الصحة والشباب في أداء الأعمال الصالحة، دون تفريط، مشدداً على أن الفرائض مقدمة على النوافل في مختلف الأوقات.

وفي برنامج "دين الرحمة" الذي يبث عبر إذاعة القرآن الكريم، من تقديم الشيخ الدكتور سيف بن سالم الهادي، يؤكد الخروصي أن جموع المسلمين في أمس الحاجة إلى المسارعة في الخيرات، وأن يتعرفوا على معانيها ودلالاتها ومضامينها في الكتاب والسنة.

 

ويتطرق الخروصي في الجزء الثاني من حديثه عن "المسارعة في الخيرات"، إلى الحكمة فيقول ردا على سؤال: هل الحكمة بعيدةٍ عن العلم؟، فيقول: لا.. لابد أن يصاحب العلم الحكمة وهذا هو الشرط الثاني؛ لذلك كان الشرط الأول يتصل بالقصد والنية، الشرط الثاني هو ما يتصل بالحكمة، والحكمة غير بعيدةٍ عن العلم والفقه، والفقه بمعنى الفهم، هذا الذي نقصده بمعنى أن يَعلم حكم ذلك الشيء، وحكم ذلك الموقف، وحكم ذلك الأمر الذي هو داخل فيه أو يريد أن يدخل فيه أو أنه يراه أمامه، فإنه لابد له من الفقه، ثم بعد ذلك- بعد مسألة الحكمة بما فيها من معنى- يكون بعد هذه الشروط، وبعد هذين الشرطين الأول والثاني تكون مراعاة المصلحة. وأضاف: "سُئِلَ أحد المربين عن مسألةٍ، وهذه المسألة كان السائل يُخشَى عليه من الوقوع في محذور بالإجابة الصريحة له-بحسب نظر ذلك المربي- فما الذي قاله؟ قال: ليس كل ما يُعرَف يقال، وليس كل ما يقال يحضر وقته، وليس كل ما حضر وقته حضر أهله".

وتابع الخروصي: "إذن هذه الاعتبارات- اعتبارات الزمان والمكان- التي باعتبارها تتحقق مصلحةٌ راجحةٌ تكون الحكمة، ويكون الفعل، وتكون المبادرة؛ ولذلك سوف نناقش نماذج مثل تكليف النفس ما لا تطيق من العبادات بدعوى المبادرة إلى اغتنام العمر، كما هو معروف أن من شأن المسلم الصادق المخلص أن يغتنم صحته وشبابه وحياته في الأعمال الصالحة؛ لكن هذا لا يعني أن يُدخِل على نفسه مشقةً بأداء الكثير من النوافل التي يُمكن أن تؤدي به إلى التفريط في الفرائض، فإن هذا ليس من الحكمة، وليس من المبادرة في الخيرات؛ ولذلك فإن التقدمة في هذا الدين إنما هي للفرائض التي افترضها الله سبحانه وتعالى ولها المحِل الأعلى، فإن حافظ عليها وأداها فإنه يَحسنُ به بعد ذلك ويجدر أن يُبادر إلى الاستزادة من النوافل شريطة ألا تؤثر على الفرائض التي فرضها الله سبحانه وتعالى عليه.

وبين أن هناك العديد من الأمثلة، وقبل أن نعود إلى مسألة النقطة الأساس وهي كيف تناول القرآن الكريم موضوع تعدد الزوجات، وهو موضوع يمكن أن يثير الكثير من المداخلات، إن آثر الذي يرغب في تعدد الزوجات تعدد النساء، وإن آثر إشباع رغبته فقط دون التفات إلى حقوق النساء، ومن المرأة التي هي تحته الآن أو المرأة التي يرغب في أن يتزوج منها، دون نظرٍ إلى قواعد التعدد من مبدأ العدل، وعدم الظلم، وعدم الميل، ومن النظر في مصالحه الدينية التي يمكن إما أن تتعزز أو أن تضعف ويصيبه بسبب هذا الفعل الذي سوف يُقدِم عليه، الفتور والخمول والكسل. وبذلك لن يكون هذا التعدد مجلبةً للخير والبر والأجر من الله سبحانه وتعالى، أما إذا كان مع رغبته في إشباع رغبته مع إقرار الدين بجواز تلبية هذه الرغبة الفطرية، إلا أنَّ هناك قواعد لابد أن يَنظُرَ فيها وأن يحسب لها حسابها، أما أن يأتي هكذا فقط إشباعاً للرغبة، وإذا به قرائن الأحوال تؤكد أنه يبرر لنفسه، فيأتي ويقول لك: "أنا أساعد على علاج مشكلة العنوسة في المجتمع"، وإذا به يتزوج بكراً ويترك العانسات الثيبات، ويدَّعي أنه يُريد أن يكثِّر نسل المسلمين، وإذا به بعد ذلك تجد أنه لا يهتم بتربية أولاده، ويسيء إليهم، ويسيء إلى أسرته..

المسارعة في الخيرات

وينتقل الحديث إلى ما يتعلق بالثناء على المسارعة في الخيرات، وما يتصل بالعتب على المسارعة في المنكر، ويقول: "حتى تكون لدينا صورتان متقابلتان تتضح بينهما الصورة الصحيحة التي نتحدث عنها يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه الكريم: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ.."، إلى  آخر الآية الكريمة من سورة المائدة، نجد أن هناك تحذير للنبي صلى الله عليه وسلم من الحزن على أولئك الذين يسارعون في الكفر، ومثل الكفر كل جحودٍ بنعم  الله سبحانه وتعالى، وكل شرٍ وباطلٍ وفسادٍ في هذه الأرض هو مذمومٌ في هذا الدين؛ لأن المسارعة لا تكون فيه بل المسارعة المحمودة إنما تكون في تركه والبعد عنه وتجنبه.

وفي سؤال حول معنى الحزن هنا؟ لأنه قد يفهم عدم الأسف على كافرٍ مثلاً أو منحرف؟

يجيب فضيلة الشيخ الخروصي قائلاً إن هذه الآية هي للتخفيف من وطأة ما لاقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين ومن المشركين، مع فطرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدبه وحنوه على أمته وعلى من يدعوهم إلى هذا الخير، إلا أن ما يلاقيه منهم في نفسه وفي أصحابه المسلمين المؤمنين يكون له أثرٌ في نفسه، فإذا بهذه الآية تخفف عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-هذا الأثر وتبين صفات هؤلاء أنهم سمَّاعون للكذب.. سمَّاعون لقومٍ آخرين وأنهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه إلى آخر الصفات؛ حتى يُخفَّفُ عنه عليه أفضل الصلاة والسلام ما يجده.

ومضى موضحاً: نجد أن الله سبحانه وتعالى يصف أو يجعل من صفات المنافقين الذين ينخُرون في هذا المجتمع أنهم يسارعون في نشر الفساد في الأرض لمرضٍ في قلوبهم فيقول "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ".

ويقول فضيلة الشيخ كهلان إن هذا يعود إلى مرضٍ في القلوب، وهي صفةٌ ظاهرةٌ لهؤلاء المرضى المنافقين الذين لا همَّ لهم إلا النخر في وحدة المجتمع المتماسك المتراص، وكذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى وصف طائفةً من بني إسرائيل، كما وصف طائفة من أهل الكتاب بالمسارعة في الخيرات، ووصف طائفةً من بني إسرائيل بالمسارعة في الإثم والعدوان؛ ليُحذِّر هذه الأمة من الوقوع في ذلك؛ ولذلك قلنا الإثم والعدوان والشر والباطل إنما المسارعة المحمودة تكون بالابتعاد عنها وبتركها فوراً، وهذا التحذير ورد في سورة المائدة في قوله تعالى قاصدا بني إسرائيل "وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"، وأما في الطرف المقابل فالله سبحانه وتعالى يقول: "وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ".

تعليق عبر الفيس بوك