رمضان الذي لم يأتِ

مسعود الحمداني

 (1)

تعلن لجنة ثبوت شهر رمضان عن رؤية الهلال، فيندفع الناس إلى الأسواق، ليشتروا ما يحتاجون إليه، وما لا يحتاجون، يتدافعون في المجمعات التجارية وكأنّ حربا على وشك الابتداء، يكدّسون البضائع في المخازن والمطابخ ويتأهبون ليوم له ما بعده!! مع أنّ أكثرهم اشتروا مستلزمات الشهر قبل شهر..

يشترون كل شيء حرّموا أنفسهم منه طوال السنة، وكأنّها آخر ليلة على كوكب الأرض، فبعض الأطعمة والمأكولات قاصرة على شهر رمضان، حيث تنسى الأسرة طعمها خلال شهور العام، وتتذكرها (ربّة المنزل) ليلة رمضان، ولسان حالها يقول:

(تذكرتُ ليلى والسنينَ الخواليا..)

(2)

يأتي شهر رمضان فتقل ساعات الدوام، وتقل إنتاجية الموظف، ويزيد تذمر الناس، وتطول لحى الرجال، وتقصر ثيابهم، وتلبس النساء الحجاب، ويُعلن بعضهن الحِداد على (المكياج) الذي كان يخفي ما يمكن اخفاؤه طيلة العام..

ببساطة تنقلب الحياة رأسا على عقب في شهر رمضان، حيث تظهر بعض الأشياء على حقيقتها، بينما يلبس البعض أثواب التقوى حتى اليوم الأخير، أو قبله، لتعود الحياة والشخصيات إلى طبيعتها، وتذهب (ملائكيّتهم) إلى السماء.

(3)

اتفق الخليجيون على توحيد يوم الصيام، ولكنهم اختلفوا على ما هو أعظم منه هذا العام، حيث بذور الشقاق والفرقة بدأت تلوح في الأفق، والخلافات السياسية طفحت على السطح، نسي الساسة الشعارات التي يرددونها ويفعلون عكسها، نسوا أن (الاتحاد قوة)، وأن (المسلمين إخوة)، وتجاهلوا (مجلس التعاون الخليجي) الذي بدأ كبيرا، وها هو يضمحل شيئا فشيئا لأنّ بعض دوله تعتقد أنّها دول عظمى لها وحدها سمة (الحل والعقد)، ونسيت هذه الدول أنهم مجموعة صغيرة في عالم من الحيتان التي تتأهب لابتلاعهم بلدا بلدا حين يجف الضرع، ويموت الزرع، وينضب النفط من بقراتهم العجاف.

(4)

في الوقت الذي يفطر فيه بعض المسلمين على موائد عليها ما لذّ وطاب من الأطعمة والمشروبات، يُرمى نصفه في القمامة، يتضرّع آخرون إلى الله تعالى كي يهبهم ماءً يُذهب الظمأ، ويبل العروق، ويتضورون جوعا، حيث لا يلقون ما يسد رمقهم، وما يفطرون عليه بعد صيام أيام متتالية، حالة بشعة صنعها الساسة والمذهبيون والطائفيون، ودفع ثمنها المواطنون البسطاء.

(5)

ظهرت حملة في الفترة الأخيرة تقول بعدم جواز إطعام الفقراء والعمال غير الصائمين من أطعمة المسلمين، وذهب البعض إلى درجة عدم تقديم طعام الإفطار في الخيام الرمضانية، وكأن أصحاب هذه النداءات يريدون أن يحرموا هؤلاء البشر من الصدقات التي اعتادوا عليها، وأخشى أن يطلب ذات يوم من العمال البسطاء أن يقدموا ما يثبت أنهم صائمون!

دعوا الخلق للخالق، وعاملوا الناس بالظاهر والله يتولى السرائر..

اطعموا الجائع والفقير بدلا من رمي نصف ما تأكلون في القمامة المجاورة، لعل الله يهديهم، وتذكروا أنّ الله وحده هو الحسيب والرقيب على عباده ولا أحد غيره..

تذكّروا ذلك، وتقبّل الله صيامكم وقيامكم وصدقاتكم..

Samawat2004@live.com