"جلسة الإسكان" تتطلب منهجية لمراقبة أعضاء الشورى

 

 

د. سَيْف المعمري

يَبْدُو أنَّ مجلسَ الشورى أثارَ غضبَ كثيرٍ من المواطنين  بعد جلسة الأسبوع الماضي، التي أستضافَ فيها مَعَالي وزيرُ الإسكان، وهي الوزارة التي لا تزال تُثِيْر جدلاً منذ عقود في مَسْألتي تحقيق العدالة بين المواطنين في الحصول على أراض، وفي مسألة تحقيق حكم القانون بدون استثناءات.

ولا نُبَالِغ إن قلنا إنَّه لو ارتفعت مُؤشرات الرضا لدى المواطنين عن أداء كثير من المؤسسات الحكومية، إلا أنه لا يمكن أن يرتفع ذلك المؤشر حين يتعلق الأمر بوزارة الإسكان؛ لأن هناك إرثًا قاد لتمايز كبير بين المواطنين؛ حيث حصل البعض على مساحات أكثر مما ينبغي، بينما حصل البعض على مساحات أقل مما يستحق، هذا فضلا عن السياسات السكانية التي لا تزال تستجيب ببطء لموضوع حق السكن وضرورة تهيئة الظروف المختلفة لتأمينه، ومراعاة حق الأجيال القادمة من الشباب الذين يحتاجون تأمين السكن في ظروف اقتصادية صعبة جدًّا، ورغم كل ذلك -ولأول مرة في تاريخ الشورى العمانية منذ أن بدأت في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي- يذهب مُمثلو الشعب بعيدا عن هموم ممثليهم من المواطنين، إلى ترك كل ذلك وتقديم بدلا منها معلقات من الغزل في وزير الإسكان، وكأنهم اعتقدوا أنهم في سوق عكاظ لا تحت قبة مجلس الشورى العماني، الذي لا يدخله أحد من أعضاء الحكومة بدون إشكاليات كبيرة، وكأنهم ظنوا أنهم شعراء لا أعضاء مجلس شورى، وأن  امرؤ القيس وطرفة بن العبد لم يقولا ما يجب أن يُقال، وأنَّ الشعر لم ينتهِ عند آخر بيت في معلقاتهم؛ مما يتطلب نظم أبيات تليق بمقام الإسكان التي وجدوها منزَّهة عن كل ما طالبهم منتخبوهم من المواطنين بقوله في هذه الجلسة التي عصفت بالنزر اليسير من الثقة التي لا تزال باقية في نفوس المواطنين في هذا المجلس الذي تحوَّل دوره -في ظل التحديات التي تواجه البلد- إلى كومبارس بدلاً من أن يكون لاعبا أساسياً يعمل على المساعدة في صناعة الأمل في غد أفضل.

يَبْدُو أنَّ هذه الجلسة وغيرها من الجلسات السابقة خلال هذا العام، أكَّدتْ أنَّ مجلس الشورى المناط به دور الرقابة على الحكومة، لا يقوم بهذا المهمة الكبيرة بالشكل الذي يأمله المواطنون الذين وضعوا ثقتهم فيه، وأنَّ أعضاء المجلس بعد انتخابهم ليسوا هم قبل انتخابهم؛ فالمسافة القريبة التي كانت تتيح لهم الإنصات بطريقة جيدة لهموم المواطنين، لم تعد كذلك، وتباعدتْ حتى لم يعد العضو يعرف ما يدور في مجتمعه أو حتى في بلده، بل إنَّ ذلك الغياب لم يعد من المجتمع فقط إنما من الجلسات التي يتسرب منها كثير من أعضاء المجلس منها، ومن يحضر منهم بات يعبر عن رؤى خاصة جدا لا رؤى عامة تعبر عن هموم ومخاوف شعبية. بعبارة أخرى، أصْبَح أعضاء المجلس يمثلون الحكومة ويدافعون عنها داخل المجلس، والجلسة الأخيرة أكدت ذلك باللغة المنزهة التي وصف بها بعض الأعضاء معالي الوزير، بل إنَّهم طالبوا مجلس الوزراء بتحري ما وصفوه "بإشادة أعضاء المجلس" به، وكأنَّ الجلسة لم تعقد إلا لإضفاء هذه الهالة على وزير الإسكان، وهو ما قاد كثيرين للمطالبة بالتحقيق في موقف هؤلاء الأعضاء؟ لأن الأمر بالفعل يتطلب الوقوف عنده؟

هل هناك أشياء دفعت إلى مثل هذا الموقف مع وزارة الإسكان وليس مع وزارات أخرى؟ أم أن الأمر يعبر عن موضوعية متناهية، وفكر برلماني جديد يقوم على تحويل الجلسات البرلمانية إلى جلسات احتفالية شاعرية، بدلا من أن تكون جلسات جادة تقوم على طرح القضايا وتحليلها وإثارتها بُغية الاقتراب من تحقيق مصالح البلد العليا، وتأمين حقوق المواطنين بمختلف مستوياتهم.

وفي ضَوْء هذه المعطيات عن أداء المجلس غير المرضي، يبدو أن هناك حاجة ماسة لقيام الناخبين بمراقبة أعضائهم؛ لأنَّ المجالس البرلمانية مثلها مثل أي مؤسسة في أي بلد، لا يمكن أن تقوم بواجباتها إلا في ظل الرقابة الشديدة، أما حين تغيب الرقابة يغيب معها التزام أعضاء المجلس بدورهم في الدفاع عن مصالح المواطنين؛ وبالتالي نحن بحاجة لمراقبة من يراقبون الحكومة، وإلى مساءلة من يعملون على مساءلة أعضاء الحكومة.

والأصلُ في هذه المهمة أن تقوم بها وسائل الإعلام، لكن لا يوجد لدينا إعلام برلماني متخصص، إنما تغطيات آنية تقوم بها الوسائل الإعلامية بشكل مقتضب، وبدون تحليل؛ مما دفع أعضاء المجلس إلى الحياد عن مهامهم بالطريقة التي ظهرت في جلسة معالي وزير الإسكان. لذا؛ أقترح التأسيس لحملة بعنوان "راقبوا عضوكم المنتخب"، يقوم بها متطوعون في مختلف الولايات، علاوة على متابعة لأعضاء المجلس وأدائهم سواء داخل المجلس أو في الحياة العامة من أجل اختيار أفضل عضو من خلال استطلاعات تجرى لرأي المواطنين بشكل شهري، علاوة على اختيار الأعضاء الأسوأ من حيث الأداء، مثل هذه التحركات قد تقود إلى تحسن في أداء  المجلس في الفترة المقبلة، وإلى جعل الأعضاء يعودون للاهتمام بناخبيهم والاقتراب منهم أكثر، كما أنَّ الأمرَ سوف يعزز من ثقة المواطنين في المجلس والتي تعرضت لاختبار كبير في الفترة الأخيرة.

لا شك أنَّ العملَ البرلمانيَّ على قدر كبير من الأهمية؛ فالكرسي البرلماني ليس امتيازا ولقباً إنما يمثل مسؤولية وطنية تقوم على طرح قضايا المواطنين وما أكثرها، ويقوم على توجيه الحكومة إلى مزيد من التركيز على أهدافها التي يستفيد المواطنين من تحققها. أما العمل على وضع إكليل من الورود على عنق كل وزير يدخل المجلس، أو تعليق معلقة شعرية عند المدخل الرئيسي لوزارته، فهذا ليس من مهمة العضو البرلماني، فحين تقوم الحكومة بمسؤولياتها فذلك هو واجبها تجاه الشعب، ولا يتطلب الأمر تكريما على القيام بواجب، إنما التكريم والإشادة هي للقيام بما هو فوق الواجب، ونحن لا نزال ننشد في هذه المرحلة الإنجاز الواجب؛ فالطريق إلى ما فوق الواجب لا يزال بعيدا جدا.