تذكير الأغنياء بحاجات الفقراء والمساكين

 

مشروعية الصيام تنطوي على أكثر من حكمة، ومن ذلك تذكير الأغنياء بحاجات الفقراء والمساكين؛ فإنّ الغني عندما يذوق ألم المسغبة، ويعاني من الظمأ يتذكر حالات أولئك الذين يقضون سحابة نهارهم وهم يكدحون في سبيل تحصيل لقمة العيش صابرين على الظمأ والجوع، وهذا بطبيعة الحال يؤدي به إلى السخاء ومواساة أولئك مما منّ الله تبارك وتعالى عليه من خير.

هذا والصيام مدرسة خلقية؛ فإنّ الإنسان يكتسب الأخلاق الفاضلة منه، كيف والصائم لا يُطلب منه أن يكف أذاه عن الغير فحسب، بل يطلب منه بجانب ذلك أن يتحمل أذى الغير، وأن لا يقابل الإساءة بمثلها، ففي الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم "الصيام جنة، فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم"، فما أعظم هذا الأدب الذي يؤدب به رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أمته عليه ويخلّقهم به؛ من حيث إنّه  صلى الله عليه وسلم ـ يأمرهم في حال صيامهم أن يتحملوا أذى الغير، وألا يزيد الإنسان إذا تعرض للأذى والمهانة في هذا الشهر الكريم عن قوله للذي آذاه إنّي صائم؛ ليذكر نفسه قبل كل شيء بأنّه في عبادة مقدسة تتنافى قدسيتها مع التشفي والانتقام؛ وليذكر ذلك الغير الذي صدر منه الأذى بأنّه في حال عبادة مقدسة فلا يجوز له أن يصدر منه أذىً في حق أخيه وهو يتلبس بهذه العبادة، فإن كان ذلك الغير مسلماً كان ذلك سبباً لإرعوائه ورجوعه إلى الحق، وإن كان غير متلبس بهذه العبادة وذلك بأن يكون من الكفرة الذين لا يؤمنون بهذا الدين؛ فإن مجرد سماع هذا القول يدعوه إلى أن ينظر في هذا الدين، وأن يتأمل في آدابه وأخلاقه، وذلك بطبيعة الحال يدعوه  إلى اعتناقه واتباعه.

 

سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة

 

تعليق عبر الفيس بوك