حكمة مشروعية الزكاة

الغنى نعمة من نعم الله تعالى الواسعة فلا بد للإنسان أن يشكر الله على هذه النعمة وشكرها بإخراج ما أمر الله فيها من حقوق ومن حقوقها أداء الزكاة.

الفقر آفة خطيرة وانتشاره بين الناس يؤدي إلى الانحراف فإيجاب الزكاة إزالة لهذه الآفة.

التواصل بين الناس أمر محمود فبه تقوم المجتمعات وعليه يصلح أمرهم وتقوى شوكتهم

 

الشيخ ناصر بن يوسف العزري

  عندما يتبين الإنسان المسلم الحق حكمة مشروعية الزكاة والمقصد الشرعي منها فإنّه لا شك سيزيل كثيرًا من العوائق والعراقيل في سبيل إخراجها وإعطائها للفقير لذا لا بد أولا من تبيين نظرة الإسلام إلى الزكاة ومقصدها الشرعي.

فمن المعلوم أنّ الفقر آفة خطيرة وآثاره واضحة للعيان يدل عليه الواقع وتشهد به القضايا فإنّ انتشاره بين الناس يؤدي إلى الانحراف والسلوكيات الاجتماعية الخطيرة من السرقة والنهب والظلم وفقدان الأمن لذا كان من الأولويات التي سعى إليها الإسلام تبيين خطورة الفقر وبيان أثر الزكاة في النفوس والمجتمعات كما يدل على ذلك كثير من النصوص الشرعية في كتاب الله عز وجل وفي سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. 

فقد أوضح القرآن الكريم أهمية المال وأثره على النفوس وتلك المحبة الجِبِلِّيِةِ التي طبع عليها كل إنسان، في قوله تعالى: "وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا"، "وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ"، ولخوف أن تطغي هذه المحبة على الإنسان فتنسيه حب الله وتبعده على أداء ما عليه من واجبات جعل في المال حقوقا كثيرة ومنها الزكاة فإيجاب الزكاة إزالة لهذه الأثرة وبعدا عن مواطن الريب والغفلة يقول المولى: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا".

إن كثرة المال وتزاحمه بيد الإنسان وتكاثره يزيد من جانب القدرة والقوة في قلبه فيسعى إلى تحصيله بأي قوة دون النظر إلى الطرق والوسائل الممكنة في تحصليه فلا فرق بين أن يصل إلى يديه عن طريق الحلال أو الحرام فحتى تصرف النفس عن هذا الأمر جعل في المال حق الزكاة على الإنسان ليصل به إلى رضوان الله وليصرفه عن اللذات والمتع المشغلة التي لا آخر لها.

إن التواصل بين الناس أمر محمود فبه تقوم المجتمعات وعليه يصلح أمرهم وتقوى شوكتهم ويعم الخير فيهم والمال أهم الروافد في هذا السبيل فهو يحبب بين الناس ويصل بين قلوبهم ويقطع الحقد والحسد وتحصل به المودة والألفة لهذا فرضت الزكاة بغية الوصول إلى هذا الأمر.

إن الغنى نعمة من نعم الله تعالى الواسعة فلا بد للإنسان أن يشكر الله على هذه النعمة وشكرها بإخراج ما أمر الله فيها من حقوق ومن حقوقها أداء الزكاة.

إن الغني بمثابة خازن على المال مؤتمن عليه والمال مال الله عز وجل فلا بد أن يوصل جزء من المال إلى غيره من الفقراء وهذا الجزء يدخل فيه الزكاة إذ أمر الله بإخراجها.

إن الحكمة من خلق المال الانتفاع به وصرفه في الحاجات مما يؤدي إلى استهلاكه فلا بد من تنميته للحفاظ على جريانه ويدخل في معنى التنمية الزكاة إذ بإخراجه يُلجئ المرء إلى طرق تنميته، وبالنظر في هذا المعنى اللطيف نجد الارتباط الوثيق بين جزيئات العبادة فالله حين أمر بإخراج الزكاة أمر بالعمل على تنميتها ولذلك كان من مدلول الزكاة اللفظي النماء بغية تثمير الزكاة وتنميتها ومشاركة الناس بعضهم البعض في الاقتصاد الإسلامي فهذا الانسجام التام إذا وعاه الإنسان المسلم بجميع حيثياته استطاع إن يخلق مجتمعا إسلاميا اقتصاديا قويا وهو ما يريده الإسلام من أتباعه لذلك يقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: "ألا من ولي يتيما له مال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة".

يقول الدكتور أحمد باقادر في بحثه "الزكاة وعلم الاجتماع": "إذ من تمام عضوية انتساب الفرد إلى الإسلام أن تتأسس في مداركه فكرة أن يكون المال متحركًا متداولا بين أفراد المجتمع، وهي جزء من معتقد يعبد الله بتنفيذه. وعملية دوران المال هذه تقتضي تداوله بين الأغنياء والفقراء، والحض على عدم تجميد المال وإنما تحريكه بما يضمن نماءه وازدهاره".

فعند بيان هذه النظرة الصحيحة وإذاعتها بين الناس بمختلف الطرق والوسائل فإنّها لا شك ستكون رافدا تستقى منه الزكاة ودورا رائدا في الخلاص من الفقر.

وتأكيدا على هذا الدور فإن ربط الجوانب المختلفة للزكاة يبين أهمية مدلولها فبينما نجد بابا يفصل فضل إخراج الزكاة ترغيبا في الفضل وتنفيذا للأمر، نجد بابا آخر يبين خطورة منع الزكاة ترهيبا في الترك وتغليظا في العقوبة والنتيجة واحدة هي الحث على إخراج الزكاة وبناء مجتمعات متكافلة.

 وزيادة في النظر إلى دور الزكاة وأهميتها ذكر أهل العلم في هذا الباب وجوب الزكاة على الصبي إن كان ذا ثراء بل ألزموا وكيله بإخراجها فلم يراعوا في هذه الأمر جانب الصغر إذ الزكاة لا يشملها هذا الحكم فلا فرق بين بالغ أو غير بالغ في إخراج الزكاة ما دام أساس إيجاب الزكاة وجود المال من عدمه فإن وجد عند الصبي ذلك المال وجبت عليه الزكاة على قول أكثر أهل العلم وهو ما عليه أصحابنا الإباضية، يقول الشيخ ابن بركة: الزكاة تجب في مال كل مسلم بالغا كان أو غير بالغ، مغلوبا على عقله أو عاقلا، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم، وأطفال المسلمين ومجانينهم داخلون في حكمهم، فإن قال قائل: إنّ الخطاب لا يقع إلا على عاقل بالغ فكيف تكون الزكاة واجبة على من لا تلحقه المخاطبة؟ قيل له: إن الزكاة فيها معنيان: أحدهما حق يجب على الأغنياء فمن زال عنه الخطاب من الأغنياء لم يكن زوال الفرض عنه مبطلا لما وحب في ماله، فإن قيل: فقد قال الله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " والطفل لا يطهره أخذ ماله، قيل له: هذا شيء لا يوصل إلى علمه قد يجوز أن ينفع الله الطفل إذا بلغ بما أخرج الإمام والوصي والمتولي له من ماله قبل بلوغه، الدليل على ذلك ما وري أن امرأة أخذت بعضد صبي ورفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر"، وبعد فإنا لم نقل إن الزكاة كلها أوجبت بآية واحدة فتحمل الخلق على حكمها".

ويقول الشيخ الشقصي:"والزكاة حق واجب في المال يقوم بإخراجها رب المال عن غيره بأمره ويخرجها الإمام من مال من وجبت فيه، رضي رب المال أو كره، حضر أو غاب، ومن قال بغير هذا القول فلم أعلم أن أحدا من أصحابنا أخذ به، والذي استقام عليه أمرهم أن الزكاة واجبة في مال اليتيم والصبي والمجنون.

ويروى أن عائشة رضي الله عنها كانت تخرج الزكاة من أموال بني أخيها بحق ولايتها عليهم، ويروى أنّ علي بن أبي طالب كان يخرج الزكاة من أموال بني أبي رافع مولي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم أيتام".

كما أنّ معاملة مانع الزكاة تؤكد ما سبق، وبجانب هذا كله نجد تلك المصارف التي بيّن الإسلام إخراج الزكاة فيها دليل على ذلك كله، فهذا الربط الكبير بين جوانب الزكاة فيه دلالة واضحة على أهميّة الرسالة الإنسانية التي جاءت بها الزكاة وأنّها من أولى أولويّاتها وأهم أساسيّاتها.

 

تعليق عبر الفيس بوك