ثوب الحياء في واقع طالباتنا (3)

 

عيسى الرواحي

 

 

إنَّ التعليمات الربانيّة المُنزلة في الكتاب العزيز والسنة النبويّة المُطهّرة بشأن المرأة هي ما يضمن عفّتها ويصون عرضها، ويحميها من ذئاب البشر المُتربصين بها الذين لا يريدون منها إلا إشباع غرائزهم وشهواتهم، وأيّما فتاة حادت عن تلك التعاليم التي أمر بها شرعنا الحنيف، فإنّما تتجه نحو منزلقات خطيرة قد تفقد من خلالها أغلى ما تملك.

ولا ريب أنَّ الفتاة عندما تكون على حالٍ من السفور والتبرّج بعيدة عن أهلها غير مُحصنة وفي مقتبل شبابها تخالط على مقاعد الدراسة شقائقها غير المحصنين مع كونهم جميعا أترابًا، وما يلازمها من أحاديث هوى النفس والشيطان، فإنّما هي في خطر عظيم جلبته على نفسها وليته يقتصر على التبرج والسفور فحسب.

إنَّ الحسرة والأسى والواقع الأليم ألا يقف الأمر عند كثير من الفتيات من طالبات الكليات والجامعات عند فتنة التبرّج والسفور وإبداء المفاتن والزينة أمام الشباب فحسب مع عظم إثم تلك الأعمال وشدة النهي عنها كما أوردناها من الكتاب العزيز والسنة النبوية، وأقوال العلماء، بل هناك ما هو أشد وأنكى! ولا يختلف اثنان في أنَّ وسائل التواصل الحديثة أول الأسباب وأبرزها وأسهل الطرق وأسرعها وأكبر المنزلقات وأخطرها في الوقوع في شؤم كبيرة الزنا ـ أجارنا الله منها ـ.

إنَّ الخوض أكثر في تفاصيل هذه القضية ثقيلة على نفس الكاتب والقارئ، كما أنَّ طلبة الكليات والجامعات ذكورًا وإناثا، والمختصين داخل المؤسسات التعليمية، والمعنيين بجرائم الابتزاز الإلكتروني، والمسؤولين في المحاكم  يدركون حجم القضايا التي يندى لها الجبين وتُدمع العين دما لا دموعا وتثير في القلب حسرة وكمدا المتعلقة بفقدان العرض والشرف التي وصل إليها عدد ليس بقليل من طالبات المؤسسات التعليمية العليا من جامعات وكليات، ناهيك عن الأعداد المتزايدة للمصابين بمرض فقدان المناعة (الإيدز) فقد أوضحت الجهات الصحية المختصة بالبلد بأنّ هناك 142 حالة تمّ اكتشافها عام 2015م بنسبة زيادة 26.7% عن العام الذي سبقه، إضافة إلى وجود 1514 حالة لا تزال متعايشة مع هذا المرض منذ سنوات ماضية، علما بأنّ تلك الأرقام هي المكتشفة فقط وما خفي قد يكون أعظم.

وعليه فإنَّنا نذكر الفتاة التي استطاعت أن تحقق نسبة عالية في شهادة الدبلوم العام بما يشير إلى فطنتها وذكائها أن تلتزم منهج الله تعالى في جميع سلوكها أينما حلّت وارتحلت، وأن توقن تمام اليقين أنّ عرضها وشرفها هما أغلى ما تملك، فإن فقدته فكيف لها أن تسترده؟! وإيّاها ثم إيّاها أن تنخدع بإغراءات الشباب، وحيلهم الخبيثة، ومكائدهم الشيطانية، فتنزلق في أوحال الرذيلة والفجور، وتجر لنفسها وأهلها العار والثبور، وتندم حينها ندما يبكيها دما، ويجعلها في حرقة قلب دائمة لا تزول، ولتأخذ العبرة والعظة ممن وقع من زميلاتها في هذا النفق المظلم الحالك السواد، كيف أضحى حالهن وما يعتريهن من الهم والغم والنكد وضيق النفس والتعاسة والقلق والاضطراب وعظم الكبيرة والخطيئة والوزر الذي ارتكبنه؟! وما بلغ ببعضهن إلى الأمراض النفسية وربما أبعد من ذلك بعد فقد العرض والشرف، ولتتذكر أهلها الذين أحسنوا بها الظن، وأعطوها الثقة، كيف لها أن تخونهم وتخذلهم؟!

يقول الدكتور صالح الفهدي في كتابه (نقد الحال الراهن): "... الفتاة التي ينفق عليها أهلوها من مائهم ودمائهم لتتعلم ثم تهرق الشرف على أبواب جامعتها أو كليتها أو مدرستها فتتبع صوت الغواية والانحراف دون أن تكترث إلى أنّها تلقي بنفسها في هاوية الحقارة، وهو أنّ المصير، وغياهب المجهول! كبتت صوت الحشمة، وتغافلت عن نداء الحياء فجلبت لنفسها ولأهلها عارًا! أمّا الشرف الأصيل فهو لمن تحفظ عفتها وطهارتها وتصون شرفها".

وأمّا من وقع منهنّ في الابتزاز والتهديد من قبل ذئاب البشر، فلا تتردد إنّ عجزت عن صون نفسها أن تبلغ أولي الأمر في بيتها أو ذوي الاختصاص في مؤسستها التعليميّة أو المختصين بالجرائم الإلكترونية، ومما يؤسف له في شأن الابتزاز تجاه الفتيات، وما يزيد من حجم الكارثة هو عدم إبلاغها الجهات المعنية وبقائها رهينة في يد المبتز الآثم، وقد أوضح النقيب سعود بن سالم السليماني من إدارة التحريات والتحقيقات الجنائية بشرطة عمان السلطانية بمحافظة الداخلية أنّ حالات الإبلاغ عن جرائم الابتزاز تشكل 90% من الذكور في حين نتوقع أن الفتيات هن الأكثر عرضة للابتزاز وهذا يعود إلى ضعفهن وخوفهن من الإبلاغ، لذا على الفتاة أن تعلم أنَّ الإبلاغ عن المبتزين من أجل إيقاف حدهم وعدم تطاولهم ضرورة ملحة من أجل تصحيح مسارها، وهو لا يتنافى مع خلق الستر المأمور به من زلت به قدمه، خاصة عندما نوقن أنّ هناك أمانة كبيرة وسرية بالغة عند القائمين بضبط هذه القضايا.

 

 وأمّا من وقعت في جحيم الرذيلة والعار فلتبادر بإنقاذ نفسها دون تسويف ولا إمهال بالتوبة النصوح، والله يتقبلها إن هي صدقت في توبتها وإنابتها لا أن تظل غارقة في مستنقع الرذيلة يقول الله تعالى: (قُلْ يا عِبَادِيَ الذِينَ أَسْرَفوا على أَنفُسِهِم لَا تَقْنَطُوا مِن رحمةِ اللّه إنّ اللَّه يَغفر الذّنوب جميعا إنه هو الغفور الرّحيم) (الزمر-53).. وللحديث بقيّة في مقالنا القادم بإذن الله تعالى..