ظاهرة غريبة في التعامل مع الشائعات

حَمَد بن سالم العلوي

لقد أصْبَح مُعتاداً جدًّا أنْ يتلقَّف البعضُ الشائعة، ونشرها، وكأنَّها قد أتى بها ملك من السماء؛ فتجد هذا البعض لا يُصدِّقها فحسب، بل يتبنَّى كلَّ ما أتى فيها من معلومات، كيف يفعل ذلك؟! وهل هو مُقتنع بما رأى؟ أم هو أمَّعة يُردِّد كلَّ ما أتاه من مصدر مجهول، على أنَّه لا مجال للشك فيه، فإذا كان الأمر كذلك، فهذا مَوْقِف خطير جدًّا الذي يعتنقه هذا الإنسان؛ بداية تجاه نفسه قبل كل شيء، وسيكون معولَ هدم في الوطن، بقصد أو بغير قصد، وهناك بعضٌ من هذا البعض، تجده يُهلل لهذه الشائعات، وكأنها كاشفة لبؤر الفساد التي كانت غامضة، ولكن بفضل هذه المعلومة (الشائعة طبعاً) أنقذت الأمة من الهلاك، وفساد المفسدين الذي كان يعلمه هو ولكن على غيره خفي، ثم تعزز الشائعة بشائعة أخرى، أو شائعتين حتى تشدُّ من أزر الأولى، فتجد الناس يتناقلونها وبسرعة البرق، أما الغيورون والعقلاء، فتجدهم يشغلون أنفسهم في البحث عن الحقيقية، ويؤرقون مضجع "مستر جوجل" بحثاً عن معلومة صادقة، وإذا وجدوها ونشروها، نُعِتُوا حالا بأنهم "مطبِّلين" للحكومة!

تُرى: هل سأل هذا الإنسان نفسه، هل هو في خصام حميم مع الحكومة، حتى يقف هذا الموقف الغليظ منها؟! وما سبب هذه الغلظة؟! ومن المستفيد منها؟ إنَّ الإنسانَ العاقلَ لا شك يعلم أنَّ هناك أهدافاً للحُسَّاد والفاشلين، فإذا تحقَّقت انتصروا، وإذا خابت فشلوا، ومن أهم هذه الأسباب: بروز عُمان كدولة مؤثرة في السياسة الدولية، وهي لم تدفع ماديًّا كما يدفعون، ولا تتحدَّث إعلاميًّا كما يتحدثون؛ فصمتُها كلام بليغ، ونهجُها السياسي نهج حكيم، فالعاجز يقول إنْ لم أستطع فعل أحسن منها، أو مثلها -أي عُمان- فلا أتركها هكذا تسبح دون مشكلات، والحقيقة أن لا بلد في العالم اليوم بلا مشاكل ولا فساد، ولكن هناك بلد يختلف عن بلد بتفاوت درجات الفساد، والفساد ليس مسؤولية الحكومات وحدها، وإنما مسؤولية المجتمع بأكمله، وإنَّ الذين يعملون في الحكومات هم مواطنن أو موظفون من غيرهم، فإنْ فسدوا نشأ الفساد، وإن أصلحوا انتفى الفساد تماماً، وعلاج هذه المشكلة يكمن في نقطتين؛ هما: قوة الإيمان وحُسن الأخلاق.

ولكنْ، إذا عُدنا إلى موضوع الشائعات فنقول: إنَّ استمرارَ الشائعة وتفاعلها، مردُّه إلى بطء التصدي لها؛ حيث يظل المعنيون في صمت مذهل، حتى تكاد تصبح الشائعة حقيقة واقعة، وذلك بالسكوت والصمت الرهيب، وكأنهم يؤكدون صحتها، أليس هناك مثل يقول: "الصمت علامة الرضا"، وما يعزز الشكوك تذبذب بعض المسؤولين في ردودهم، فهي غير قاطعة جازمة، ويظل مرسل الشائعة يدعمها بما آتاه الشيطان الرجيم من خُبث لئيم، والمرجفون في الأرض يتلقفون ذلك الإفك، بحقدهم وكراهيتهم للوطن والمسؤول، ويدفعون بسهامهم المسمومة، عبر الشبكة المحمومة إلى الناس البسطاء، ويدعمون مواقفهم الباهتة بالمثل الذي يقول: "لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لصار الحجر بقنطار"، لكن الكلب المؤذي يحتاج أن يُلجم، ويلقَّم حجراً كالجمر، ولم يعد خافياً أنَّ هناك أُناساً قد وضعوا الإساءة إلى السلطنة على رأس أولوياتهم؛ فيجب أنْ لا نترك لهم فرصة للنجاح؛ ذلك نتيجة حُسن الظن -غير المسؤول- بهم، وأنَّ الله يحب المؤمن القوي لا الضعيف.

فعلى سبيل المثال، أتى موضوع الفواكه والخضراوات، التي ستمنع من دخول دول الجوار بسبب المتبقيات من المبيدات بعد أكثر من أسبوعين من ذلك الوقت، ونشر الخبر بهذه الطريقة، وهذا المنع المتريث يجعل الأمور محل شك في الهدف منها، وإلا كيف يُسمح لوضع خطر أن يستمر كل ذلك الوقت من المهلة الطويلة؟! فلماذا لا يوقف من فوره إذا كان يشكل خطراً على الناس؟! وأن يُؤمر بإعادة الشحنة من حيث أتت بفحص وتقرير معتمد؟! ثم لماذا يلجؤون إلى هذا التكتيك الإعلامي في الإبلاغ؟! ولا يكون هناك خط ساخن بين البلدين الشقيقين -كما يُقال- على الأقل إعلاميًّا؟! وهنا نقصد العلاقة بين المسؤولين في البلدين الجارين الشقيقين كما يوجب الحال القول، أما الشعوب فعلاقتها صادقة ببعضها البعض، ولا تحتاج إلى وساطة لتعلن صدقها في ذلك.

وهكذا يستمر التكتيك، فيأتي بجحة غير معروف مصدرها؛ لأنَّ الجح لونه واحد، ولا يحمل ماركة مُسجَّلة، فيقول ذلك الفاحص الذي حرص على إظهار صورة الجحة، ولم يظهر وجهه وهو يشرح، بأنه اشترى تلك الجحة من عُمان، وكان قد قطّع منها في صحن، ثم فحص الجزء المتبقي بجهاز خاص، فأظهر رقماً مهولاً زعم أنه السم الرعاف؛ فالأمانة العلمية تقتضي أنْ يتم الفحص حالاً، وفي نفس المكان الذي وُجِدَت فيه البضاعة، وعلى مشهد من البائع أو الناقل لها، وإذا كان في نقطة حدود يُعاد بعد الفحص بتقرير إلى الجهة التي أتى منها؛ ذلك عندما تكون النوايا سليمة، وروح الأخوة صادقة، وبذلك الفحص الفوري تثبت الحالة، وعندئذ سيوقف التمادي في غش الناس.

والغريب -وهو ليس بغريب بعد التكرار- أن يأتي اكتشاف بقايا المبيدات السمية والناس في حالة غضب من ارتفاع تسعيرة الوقود، ثم يجهز عليهم بشائعتين لتعزيز الحالة العصبية، وهما وجود مخاطبات لرفع سعر الكهرباء، وكذلك رفع سعر الماء، ولكن النفي السريع لهاتين الشائعتين خفَّفا الاحتقان. أما النفي القاطع بالنسبة للخضار والفواكه، فقد تأخر التوضيح عنهما، وأخذ البعض يُخرج مقاطع فيديو تحمل نوعا من النكات، والسخرية التي تعزِّز الفكرة، والمتلكؤون دوماً في نشاط محموم للنقل، وتعزيز الفكر المشؤوم.

وعندما أتى الرَّد الذي تأخر كثيراً عن موعده من الجهة المعنية، وعزز ذلك ببعض اللقطات الفيلمية، فتلقفها الناس الذين لم تنطلِ عليهم تلك الهجمة الشرسة الخادعة، فتنفس الكثير من الناس الصعداء، وتسابقوا في إرسال الحقائق الدامغة، مما حدا بالمرجفين، والمتلكئين للانطواء، والاختفاء عن ساحة الشبكة المجنونة، وسيظلون في حالة سُبات حتى يبعث لهم مشغلوهم بالجديد. فالذي أود قوله هنا، هو أنَّه علينا أنْ لا نأمن مكر الماكرين، وخبث أعوان الشيطان الرجيم، والذين أشقاهم ربهم فإنهم لن يقلعوا عن فعل السوء، وإنه علينا أيضاً أن نأخذ بالتحذير الرباني القائل: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ" (العنكبوت:2). إذن؛ التوجيه الشرعي يأمرنا بالحيطة والحذر، وأنْ لا نترك الأبواب مواربة تتغلغل الفتنة من بين ثناياها، وأن نظل نظن بالناس خيراً، ودون أن نأخذ حذرنا منهم، وهم أصحاب السوابق ضدنا، حفظ الله عُمان وقائدها المبجل من كيد الكائدين، وحسد الحاسدين، ومن كل بهتان عظيم.