مشروع القمر السياحي.. لماذا تأخَّر؟

عبدالله العليان

لا شكَّ أنَّ قضيةَ الاهتمام بالمشروعات السياحية وتنفيذها، من أهم الأولويات؛ بحُكم ما تتمتع به بلادُنا من مُقوِّمات ومزايا متعددة، وتاريخ تليد لحضارة قديمة، وتعدُّد مناخات في كل مناطق السلطنة، قلَّما نجدها في كثير من دول المنطقة.

وفي هذا الجانب، لا شكَّ أيضًا أنَّنا تأخرنا كثيراً في استثماره -وهذا ليس مجال مناقشته- ثم ازداد الاهتمام بعد إنشاء وزارة متخصصة للسياحة بأهمية التحرَّك الجديد لاستغلال مواردنا ومقوماتنا الكبيرة، ثم جاء الإعلان في العام 2016 عن الإستراتيجية العمانية للسياحة 2040، وهذا كان مبعثَ فرحٍ كبيرٍ أنْ تُوْضَع خطة إستراتيجية للسياحة، تتبناها الوزارة المعنية، ثم جاء البرنامج الوطني لتعزيز الاستثمار، بما يؤكد التوجُّه في هذا الاتجاه المهم لتعزيز الاستثمار السياحي والاقتصادي، لكنْ هناك شكاوى من قضية الروتين والبيروقراطية المعيقة للاستثمار، وهذا للأسف لا يسهم في توجُّه الدولة نحو تسهيل الاستثمار الجاد، وفق النظم واللوائح التي تم تعديلها واستحداثها، وهذا الأمر نسمعه كثيراً في لقاءات رجال الأعمال مع مسؤولين ومنهم أعضاء بمجلس الشورى، وهذا الروتين قطعاً لا يُسهم في تذليل العقبات في مجال الاستثمار، مع أننا سمعنا أن هناك الكثير من التعديلات التي وُضِعَت لمعالجة هذا الشأن، من قبل وزارة التجارة والصناعة بما يسهل عملية الاستثمار، والتقليل من بعض الإجراءات الروتينية.

ومن هذه الأمور المعيقة التي يراها البعض: "مشروع القمر السياحي"، الذي بدأتْ فكرته منذ العام 2006، وهذا المشروع السياحي الحيوي مهم سياحيًّا واقتصاديًّا لبلادنا، وسيوفِّر الكثيرَ من فرص العمل للشباب العُماني، وصاحب المشروع مهندس، وهو أيضاً أحد الرجال العُمانيين، والمشروع نفسه يعدُّ أحد المشاريع السياحية المقبلة بالسلطنة، وهو عبارة -كما جاء في تفاصيل المشروع- عن مدينة عصرية متكاملة، ويضيف المشروع بُعداً آخر من المشاريع السياحية المهمة في السلطنة، وبالأخص في محافظة ظفار، ويقع المشروع على قناة مائية لمسافة 30 كيلومترا، تبدأ من ميناء صلاله -منطقة ريسوت- وتنتهي بشاطئ المغسيل على بحر العرب، وهذه القناة المائية موقعها مسار وادي عدونب؛ حيث يتخلل مسار القناة ارتفاعات وانخفاضات وسهول في غاية الروعة والجمال، إضافة لعبور السفن الصغيرة والقوارب دخولا وخروجاً من ريسوت والمغسيل، وهناك الكثير من المزايا في هذا المشروع السياحي الكبير.

فلماذا لا يتم تسهيل إجراءاته ليبدأ في التنفيذ؟ وما هي أسباب هذا التأخير لعدم الموافقة النهائية على المشروع؟ مع أنَّ صاحب المشروع التقى معالي الدكتور وزير التجارة والصناعة نائب رئيس المجلس الأعلى للتخطيط، ومعالي وزير السياحة، ومنتظر الموافقة الرسمية النهائية على هذا المشروع الحيوي منذ عدة سنوات، والتأخير في هذا المشروع له سلبياته العديدة، ومنها التكلفة المالية التي ستزيد كلما تأخير أي مشروع، وتجربة المطارات أوْضَح التجارب في زيادة أسعار المشاريع، والتحفيز المعنوي والسياحي له آثاره غير الدافعة للحركة السياحية في حالة البطء في التنفيذ، والحقيقة أنَّ التوجُّه العام للدولة مُشجِّع للاستثمار، خاصة بعد انخفاض أسعار  النفط، والإستراتيجية الوطنية للسياحة 2040 واضحة ومشجِّعة برؤية مستقبلية تستحق التقدير، والبرنامج الوطني لتعزيز الاستثمار يحقق الدافعية للاستثمار، حيث وجدنا في الرؤى العامة التنفيذية، له أسس للتطبيق الفعلي واضحة الأهداف مع الاستشراف المستقبلي للخطة، وهذا هو المطلوب الآن، وقد تأخرنا كثيراً في استغلال الفرص المتاحة منذ عقود واستفادت منها دول شقيقة، فلماذا هذا الروتين وتعدد الإجراءات في جهات عدة!! وهذا الموضوع عند الجهة الفلانية، وهذا عند تلك الجهة، وراجعوا تلك الوزارة!! وهذه كلها إعاقات للتأخير، وليست في صالح لا الحركة الاقتصادية ولا التحفيز السياحي، ولا تعزز ما نصبو إليه في  إستراتيجيتنا الاقتصادية أو السياحية، فالوقت الآن وقت الفرص، ومادام أي مشروع استوفى إجراءات ما نصت عليه اللوائح والقوانين المحفزة، يُفترض أن نقول له: "توكل على الله".

ولذلك؛ على وزارة السياحة أن تتحرَّك بقوة للدفع بهذا الأمر، في ضوء الإستراتيجية الوطنية للسياحة 2040، وأن تُذلِّل كلَّ العقبات الروتينية لتخليص المشاريع الوطنية في هذا الجانب، وهذه مهمتها الأساسية، و"مشروع القمر السياحي" من المشاريع المهمة في بلادنا، وإنجاحه ضرورة وطنية، وإذا كانت هناك قوانين ولوائح معيقة يجب أن يعاد النظر فيها بحيث يتم تسهيل ما يعيق المستثمر، وهذا مطلوب لجذب الاستثمار سواءً العماني أو الأجنبي. والحديث عن الاهتمام بالاستثمار السياحي نسمعه ونسعد به، لكن يجب أن يتحقَّق على أرض الواقع، وهو المحك الحقيقي للتطبيق، ومشروع القمر السياحي يتابعه صاحبه منذ العام 2006، وإلى الآن، لم يتم الترخيص له بالموافقة، وبعد صدور الإستراتيجية الوطنية للسياحة 2040، فإنَّ التأخير بعدم الموافقة يحتاج لمراجعة جدية وسريعة.