◄ د. أدهم بن تركي: ضرورة توافق آلية الشراكة مع احتياجات التنمية المحلية
◄ المسافر: الخصخصة عبر الطرح العام "الأكثر نجاحا" حال توافر السيولة
◄ الجفيلي: إدارة الشركات المحدد الرئيسي لطبيعة الشراكة بين القطاعين
◄ الخروصي: 450 مليون ريال تكلفة المشاريع الاستثمارية لـ"عمران"
◄ 200 مليون ريال أصول "عمران".. والشركة تسعى للشراكة محليا ودوليا
◄ ضرورة تقليص الدور الحكومي في تحريك الاقتصاد وزيادة مساهمة القطاع الخاص
◄ "شبه اتفاق" على عدم قدرة القطاع الخاص على إدارة الدفة الاقتصادية حاليا
◄ التجربة البريطانية الأبرز في الشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص
◄ "الطرح العام" ليس النموذج الأفضل.. وتوافر "الظروف المواتية" شرط النجاح
◄ دور بارز للمصارف في توفير السيولة للشراكات بين القطاعين العام والخاص
◄ الشراكات بين القطاعين العام والخاص غير قادرة على حل المشكلات الهيكلية للاقتصاد
◄ توفير "طوق آمان" النصيحة الأبرز لرائد الأعمال المبتدئ لتفادي تبعات التعثر
الرؤية- إيمان الحريبية- نجلاء عبدالعال- أحمد الجهوري
تصوير/ راشد الكندي
حثّ المشاركون في الجلسة النقاشية الثانية من منتدى الرؤية الاقتصادي في دورته السادسة (2017) على تبني نماذج شراكة ناجحة بين القطاعين العام والخاص لتعزيز نمو الاقتصاد الوطني في المستقبل، مؤكدين أن نجاح المؤسسات مرتبط بآلية الإدارة المتبعة، وليس بنوع الملكية، وذلك ردا على مطالب بخصخصة الشركات الحكومية.
وشارك في الجلسة صاحب السمو السيد الدكتور أدهم بن تركي بن فيصل آل سعيد أستاذ الاقتصاد بجامعة السلطان قابوس؛ ورشاد المسافر نائب الرئيس التنفيذي لبنك عمان العربي، وعبدالله الجفيلي مدير عام صندوق دعم مشروعات الشباب "شراكة"، والمهندس عمار بن سليمان الخروصي مدير إدارة التطوير بالشركة العمانية للتنمية السياحية "عمران"، فيما أدار النقاش الإعلامي أحمد الكندي.
وانطلقت الجلسة بعرض قدمه المهندس عمار بن سليمان الخروصي مدير إدارة التطوير بالشركة العمانية للتنمية السياحية "عمران"، أبرز فيها الفرص المتاحة للقطاع الخاص ضمن مشروع مدينة العرفان. وأشار الخروصي إلى أهم مؤشرات السياحة العمانية، وقال إن السلطنة استقبلت أكثر من مليوني زائر بحسب أحدث الإحصاءات، وأن سعة مطار مسقط الدولي الجديد تصل إلى 12 مليون مسافر قابلة للزيادة، فيما وصلت القيمة المضافة للمشاريع السياحية- وفق إحصائيات 2014- إلى ما يقارب 725 مليون ريال عماني. وتطرق الخروصي إلى دور شركة عمران في تحقيق أقصى استفادة في القطاع السياحي، إذ يكمن دور الشركة في دعم وتحقيق رؤية الحكومة بتحويل قطاع السياحة إلى مساهم رئيسي في دفع عجلة الاقتصاد الوطني والعمل مع شركاء محليين ودوليين على تطوير مشاريع هادفة إلى ﺗﺤﻘﻴﻖ إيرادات وإيجاد ﻓﺮص عمل. وأوضح أنّ عمران تقوم حاليا بتنفيذ مشاريع تصل كلفتها الاستثمارية إلى 450 مليون ريال، وذلك بجانب 10 مشاريع أُنجزت بالفعل، فيما تبلغ قيمة الأصول التي تقع تحت إدارة عمران 200 مليون ريال.
تطوير الشراكة
وحول آليات التطوير والشراكة التي تنتهجها عمران، بين الخروصي أنها تنقسم إلى 4 محاور؛ تبدأ بتطوير أصول فردية ضمن مخططات التطوير العامة لعمران، وتتضمن بالشراكة في المشاريع السياحية المتكاملة، وكذلك الشراكة في تطوير الأراضي المنتفع بها من قبل عمران، وأيضا امتلاك حصة في الأصول الحالية لعمران.
وتضمن عرض المهندس عمار الخروصي تفاصيل مشروع مدينة العرفان؛ حيث أوضح أنّ المدينة تقع على مقربة من منطقة "غلا" الصناعية وتبعد 4 كيلومترات عن المطار و25 كيلومترا عن روي، وتبلغ مساحة مدينة العرفان 7.4 مليون متر مربع، ويتميز الموقع بالربط الجيد بالطرق الرئيسية الواقعة إلى الشمال والجنوب.
وبين أنّ الرؤية العامة للمدينة تتمثل في أن تكون القلب النابض لمسقط، ومركز مدينة متعدد الاستخدامات متكامل البنى والخدمات وفق تخطيط حديث مستوحى من النماذج العمرانية والحضرية للمجتمع العماني، ليشكل نواة لمشاريع المستقبل في السلطنة. وأشار إلى أن الأهداف التنموية للمشروع تتمثل في دعم وتعزيز الجانب الاقتصادي والاجتماعي العُماني، وذلك من خلال توفير فرص استثمارية محلية وتخفيف الأعباء المالية عن الموازنة الحكومية، وتوفير عدد كبير من الوظائف الثابتة والمؤقتة. وتابع أنّ المشروع يستهدف إثراء نمط حياة السكان عبر تزويد المدينة بالمرافق والخدمات، وتعزيز الروابط والعادات الاجتماعية، وتوفير التوازن المطلوب لنمط الحياة المستقبلي، وتعزيز مبدأ الإحساس العميق بالبيئة العمرانية، أمّا الهدف الثالث للمشروع فهو تدشين معايير جديدة للتخطيط الحضري وذلك من خلال إعداد مخطط متكامل الخدمات والمرافق، ووضع ضوابط تخطيطية واستراتيجية عمل واضحة، وأيضا تهيئة عوامل النمو السليم المتوازن والمستدام للمدينة.
وعن الفئات المستهدفة، أوضح الخروصي أنّ مدينة العرفان ستكون متعددة الاستخدامات، ومتكاملة خدمياً، وفي متناول مختلف الفئات العمرية والجنسيات والدخل، وتوفر في ذات الوقت للسكان ومجتمع الأعمال والزائرين والسائحين بيئة تعزز نمط حياة صحي، وكل ذلك يتطلب استثمارات في مختلف المجالات. وأشار إلى أنّ الخطة العامة هدفت إلى وضع خطة تنفيذية واضحة ومتكاملة بما في ذلك دراسة الجدوى والتي أبرزت الرؤية العامة والأهداف والآثار المالية والاقتصادية والاجتماعية للمشروع وتصنيف عناصره ومكونات الشرائح العقارية المختلفة والمراحل المقترحة للتطوير والبرنامج العام.
ومضى الخروصي مستعرضًا المشروعات، وقال إنّه وفق الجدول الزمني للمشروع، من المقرر أن يتم إضافة 600 غرفة فندقية خلال الربع الأخير من العام الجاري، وهو ما سيمثل أحد أهم عناصر البنية الأساسية لقطاع السياحة، وذلك بعد اكتمال أعمال الحزمة الثانية الخاصة وإنشاء مركز عمان الدولي للمعارض والمؤتمرات قبل نهاية العام الماضي، في حين أنّ الحزمة الثالثة الخاصة بالمركز تنتهي قبل نهاية العام الجاري.
نقاشات موسعة
وبعد انتهاء العرض التقديمي، انطلقت النقاشات بين المشاركين والحضور، وفي مستهل الجلسة وجه الإعلامي أحمد الكندي سؤالا لصاحب السمو السيد الدكتور أدهم آل سعيد، حول ماهية الشراكة المستقبلية بين شركات القطاع الحكومي والخاص، وما إذا كان الشكل الأمثل هو الشراكة مع الإبقاء على دور للقطاع العام؟ أم أن الأفضل خصخصة الشركات الحكومية وتحويلها للقطاع الخاص بالكامل. وجاء الرد من سموه قائلا إنه عند النظر لاقتصاد السلطنة حاليا يتضح أنّه يعتمد على الاستثمارات الحكومية والشركات الحكومية، وأنّ الدور الحكومي كبير في تحريك الاقتصاد، ما يدعو إلى الحاجة لتقليص الدور الحكومي في الجانب الإنتاجي من الاقتصاد.
واستدرك سموه قائلا إنّه على الجانب الآخر فإنّ هناك شبه اتفاق على أن القطاع الخاص ليس قادرًا بوضعه الحالي على إدارة الدفة الاقتصادية، وبالتالي فإنّه من الطبيعي أن الشراكات ستفيد الاقتصاد بتحول الدور الحكومي إلى دور رقابي وتشريعي، إضافة إلى جانب التنظيم، ومن ثمّ الانتقال إلى تشجيع دور القطاع الخاص للقيام بدور أكبر. وتساءل سموه عن طبيعة مجالات الشراكة، وقال إنّه ما زال الدور الحكومي رئيسيا في ارتباطه بالبنية الأساسية مثل القطاع التعليمي والصحة والبنية الأساسية المعرفية وغيرها، لكن في مجالات أخرى قد تكون الشراكات "مهمة جدا" في انتقال الأدوار التقليدية التي ليست في حاجة للاستثمار الحكومي فيها، بينما ستفيد هذه الاستثمارات القطاع الخاص على نحو مثمر ومجدٍ ماديا، كما من الممكن أن يسهم هذا الانتقال في تقديم خدمات أفضل.
وأكد أن الخصخصة قد تكون ناجحة في بعض المشاريع، لكن ليس بالضرورة أن تنجح في جميع القطاعات، مشيرا إلى أنّ بعض القطاعات تحتاج إلى شراكة بين التأسيس والبناء من قبل الحكومة ومن ثم التشغيل من قبل القطاع الخاص، لكن بعض القطاعات الأخرى يمكن خصخصتها بالكامل، وذلك يرجع لطبيعة القطاع. وضرب مثالا بقطاع الطاقة والكهرباء حيث قدم هذا القطاع تجربة ناجحة في الشراكة من أجل تقديم الخدمة.
وحول أبرز النماذج الناجحة في الشراكة بين القطاعين على مستوى العالم ويمكن تبنيها مستقبلا، قال سمو الدكتور أدهم إنه من الصعب تبني نموذج دولي معين، لكن هناك التجربة البريطانية وهي الأبرز في الانتقال إلى الشراكة بين القطاعين؛ حيث تظهر كيفية تحول كثير من الخدمات والصناعات إلى القطاع الخاص حتى إنّ كثيرا من المؤسسات التجارية والصناعية لا يملكها بريطانيون. وتابع أنّه رغم ما خرجت به الدراسات من ثناء على النموذج البريطاني، إلا أنّه قد يكون مختلفا تماما عما نحتاجه في السلطنة، وربما تكون التجربة الماليزية هي الأقرب، من ناحية أن الحكومة تخطو خطوات كبيرة محورية في الاقتصاد ومن ثم تنتقل إلى دور المُمكِّن للقطاع الخاص، وحاليا تقوم بدور المحفز.
وأوضح أنّ النموذج المستهدف في السلطنة الذي يمكن أن ينجح هو النموذج الذي القائم على الاحتياجات الواقعية، وقال: "أرى أنّ هناك حاجة لأن ترفع الشركات الحكومية يدها بالكامل عن الجانب الإنتاجي، خاصة مع تشعب الدور الحكومي ومؤسساته وشركاته؛ حيث يصل عددها إلى 70 مؤسسة حكومية تعمل في مجالات مختلفة، لكن مع ذلك لابد من خطوات واضحة لخطة الانتقال، وهناك قطاعات حيوية تحتاج أن تكون الحكومة حاضرة فيها كمُمكِّن". وشدد سموه على أنّ أهم ما يجب الاتفاق عليه هو وضوح الرؤية المستقبلية، وقطاع النفط والغاز- مثلا- لا يزال في حاجة للدور الحكومي، نظرا لامتلاك الحكومة للموارد، لكن هذا لا يمنع وجود الشراكات في هذا القطاع بجانب غيره من القطاعات، وقد تكون الشركات في التشغيل أو في التمويل، مشيرا إلى ضرورة معرفة طبيعة الدور المطلوب من هذه الشراكة.
الشراكة عبر المساهمة العامة
وعرج مدير الجلسة النقاشية على أحد الأشكال المستخدمة في إحداث الشراكة، وهو الطرح العام لحصص من ملكية الحكومة عبر سوق مسقط للأوراق المالية، في ظل ما تمّ الإعلان عنه سابقا عن إدراج نحو 8 شركات حكومية في السوق خلال العام الجاري. وتحدث رشاد المسافر نائب الرئيس التنفيذي لبنك عمان العربي في هذه النقطة مشيرا إلى أن الاقتصاد العماني بشكل عام بدأ يتحسن منذ بداية العام الجاري، عمّا كان عليه في العام الماضي، لكن مع أهميّة الطرح العام في توفير السيولة وبالتالي توفير رؤوس الأموال في الشركات وإتاحة المجال لها للتوسع. غير أنّه أوضح ضرورة الأخذ في الاعتبار أنّ الطرح العام لعدة شركات في وقت واحد يمكن أن يؤثر على السيولة المتاحة؛ حيث يمكن أن يؤدي إلى سحب سيولة من شركات أخرى مدرجة في السوق؛ في وضع السيولة فيه غير متوافرة بشكل كبير. وقال المسافر إنّ الطرح عادة ما يكون أكثر نجاحا في الأوضاع التي تكون فيها السيولة متوفرة والسوق نشطة، وبالتالي فإنّ الشراكة عبر الطرح العام ليست نموذجا جاهزا وناجحا دوما في كل الظروف، لكنّه يظل أحد البدائل القائمة متى ما كانت الظروف مواتية من نواحي السيولة ونشاط التداولات، أما إذا لم يكن ذلك متوافرا فإنه يكون من الصعب اقناع المستثمر الأجنبي أو حتى المحلي بالإقبال على هذه الفرصة، لأنّه في النهاية يبحث عن العائد الذي سيحصله سواء على المدى الطويل أو القريب.
وبين أنّ المستثمر يهتم جدا ببيئة العمل والشفافية والحوكمة، وغيرها من مؤثرات العمل؛ لأنّ ذلك يؤثر على نجاح الشركات وبالتالي لأرباح التي قد يحصل عليها.
وعن مدى تفوق الشركات الحكومية في توفير السيولة، قال المسافر إنّ قدرة الحكومة وشركاتها على توفير السيولة اللازمة لشركاتها يرتبط بأسعار النفط، خاصة وأنّ الدخل الحكومي يعتمد في النسبة الأكبر منها على العائدات النفطية، وبالوضع الحالي- مع تراجع أسعار النفط- يتمثل الضغط الأكبر على الحكومة في استيفاء التزاماتها الجارية، وليست الاستثمارية، ولذلك فربما تواجه الشركات الحكومية ضغطا في بعض أعمالها. وأكد المسافر أن المصارف تسهم بدور بارز في توفير السيولة لهذه الشراكات بين القطاعين، لكن في ظل الوضع الراهن وتراجع أسعار النفط، تتأثر المصارف في نواحي الملاءة الائتمانية للسلطنة، وبالتالي تتغير قيمة التمويل، لأنّ التمويل يُمنح بسعر أعلى كلّما كان التصنيف أقل، فالسيولة متوافرة والتمويل مازال متاحا من قبل المصارف، لكن الكلفة تغيّرت وأصبحت أعلى قليلا، وربما يكون هذا الوضع مؤقتا يتحسن مع تعديل التصنيف الائتماني للسلطنة وتعافي أسعار النفط والوضع الاقتصادي بشكل عام.
آليات الاستثمار
وتواصلاً مع محور الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص طرح الكندي تساؤلا للمهندس عمار بن سليمان الخروصي مدير تطوير الأعمال بشركة عُمران، حول المُحددات التي يمكن أن يهتم بها المستثمر باعتبار أن شركة عمران تنفذ العديد من المشاريع عبر شراكة استثمارية مع القطاع الخاص سواء من داخل أو خارج السلطنة. وأوضح الخروصي في هذا الصدد أنَّ العائد المالي للاستثمار أحد أهم المُحددات التي يهتم بها المستثمر، مشيرًا إلى شركة عمران أجرت دراسة قيّمة حول ذلك لتوضيح أبرز العوائد، وفندت الدراسة آليات الشراكة والاستثمار التي يمكن أن تتأسس بين عمران والقطاع الخاص، وشكلت "خارطة طريق استثمارية" توضح أبرز ما يمكن أن يهتم به المُستثمر قبل البدء في المشاريع؛ كأحد العوامل المشجعة على الاستثمار.
وحول موقع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من المشاريع الكبيرة وكيفية توجيه أصحاب هذه المؤسسات لعقد شراكة فاعلة مع المشاريع الكبيرة، قال عبد الله بن حمود الجفيلي مدير عام "شراكة" إن هناك فرصاً للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المشاريع الكبيرة المرتقبة، ولفت إلى ما قامت به شركة صحار ألمونيوم عندما قامت بعرض الفرص المُتاحة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتنتقي الشركات الباحثة عن فرص وأعمال بما يناسبها، وتتقدم وفق شروط المنافسة على المناقصات لدى الشركة.
وأكد الجفيلي أهمية البحث في طبيعة المشاريع الكبيرة، قبل بدء خطوات الاستيراد والنظر فيما هو متوافر في السوق المحلية؛ حيث إن ذلك أجدر بتنشيط الحركة وعجلة الاقتصاد في السلطنة ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة القادرة على تلبية متطلبات هذه الشركات. وأوضح أنَّ إعلان الشركات الكبيرة متطلباتها للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من شأنه أن يدفع الشركات الصغيرة والمتوسطة أو المستثمر المحلي إلى التفكير في إضافة منتجات أو خط إنتاج جديد يُلبي حاجة السوق ويجعل من شركته قادرة على المُشاركة في دعم المشاريع الكبيرة.
وردا على سؤال من مدير الجلسة النقاشية على ما إذا كانت لدى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الجرأة على خوض التجارب بالشراكة مع المشاريع الكبيرة وغيرها، رد الجفيلي قائلاً إن هناك من الجرأة لدى رواد الأعمال لخوض غمار أي تجربة. وأضاف أنه من خلال "شراكة" لمسنا أن هناك من الأفكار الجديدة والإبداعية في مجال ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة ما يحمل طابعا جديدا ومغايرا لم يألفه السوق المحلي مسبقاً. وشدد على أهمية أن يبحث رائد الأعمال عمَّا يحتاجه السوق المحلي ويبدأ في تلبية تلك الحاجة ليوفر منفذا جديدا يرفد احتياجات السوق المحلي.
الإدارة الناجحة
وانتقل الحديث في الجلسة النقاشية إلى أداء الشركات إذا ما جرى تحويل شكل ملكيتها من حكومية إلى عامة أو خاصة، وما إذا كانت إدارة الشركات الحكومية بفكر وطريقة إدارة القطاع الخاص ستُحقق النجاح. وقال صاحب السُّمو السيد أدهم بن تركي آل سعيد إن من يُدير الشركة يُحدد طريقة الإدارة المناسبة لها وليس طبيعة الشركة، فالمدير وليس الملكية- حكومية أو خاصة- هو ما قد يؤثر على نجاح الشركة. وطرح سُّموه جملة من التساؤلات حول طبيعة الشراكة المطلوبة مستقبلا بين الشركات الحكومية وشركات القطاع الخاص، وقال: "علينا البحث عن الدافع من وراء تحويل الشركات الحكومية إلى القطاع الخاص، أو حتى الشراكة مع القطاع الخاص، هل من أجل زيادة الكفاءة؟ أم لتعزيز مواردها المالية؟ أو مثلاً لأن الشركات الحكومية أدت الدور المناط بها في إيجاد وتأسيس قطاعات لم تكن موجودة؟". وضرب سموه مثلاً بتجربة عالمية بدأت بتأسيس وزارة الدفاع الأمريكية لنظم اتصالات وأنفقت عليها وكانت أساس الإنترنت، ومن ثم أطلقتها للشركات والقطاع الخاص لتنطلق بعد ذلك ثورة الاتصالات والإنترنت عبر آلاف الشركات حول العالم، مشيرا إلى أن مجرد انتقال المؤسسة من مؤسسة مغلقة إلى مؤسسة مساهمة عامة متداولة في البورصة لا يعني بالضرورة أنها ستكون أكثر نجاحًا، فنجاح المؤسسة - حكومية كانت أم عامة أم خاصة - يرتبط بالإدارة ومدى التزامها بأسس الإدارة الصحيحة بما فيها الحوكمة والشفافية والقدرة على التنافسية عبر الجودة، لذلك فإنِّه من الممكن أن تكون مؤسسة حكومية تدار بفكر وأسس الإدارة وبالتالي تنجح ويمكن في المقابل أن تفشل مؤسسة قطاع خاص إذا لم تطبق أسس الإدارة السليمة، فالملكية لا تحكم على الشركة بل الإدارة.
وأكد رشاد المسافر في مداخلته بهذه النقطة أنَّ إدارة الشركات الحكومية أو الخاصة تعتمد بالفعل على آليات الإدارة وليس ملكيتها، وقال إنه مع ذلك فإنَّ هناك عامل آخر يؤخذ في الاعتبار وهو أن بعض الشركات الحكومية لا تركز كمحور أول على تحقيق الربح، وهو ما ليس مقبولا في القطاع الخاص الذي يعد تحقيق عائد جيد وأرباح مهم جدًا للمساهمين أو أصحاب رأس المال، وبالتالي الإدارة، إذ إنَّ تحسن الربحية دليل على جودة إدارة المؤسسة أو الشركة وهو أمر عالمي ومعروف وهو أحد المؤشرات المتعارف عليه. وأشار إلى أنَّ الإدارة المعتادة على العمل الحكومي أو الوظيفي المعتاد فإنه غالبًا ما قد يطغى ذلك على أسلوب إدارته للشركة سواء كانت حكومية أو خاصة، وبالتالي فإنَّ الشراكة بين القطاعين ينبغي أن يبدأ من فهم أسلوب الإدارة حتى لا تكون الشراكة بين أسلوبين مختلفين تماماً في الإدارة.
وحول تأثيرات تراجع أسعار النفط على توفر التمويل للشركات الحكومية وبالتالي شركاء العمل من القطاع الخاص، قال المسافر إنه من غير المستبعد وجود تأثير على مسار القطاع الخاص لأنّ غالبيته في عمان يعتمد اعتمادا كبيرا على المشاريع والاستثمارات الحكومية، وبالطبع فإنَّ حجم المشاريع المنفذة في 2016 يختلف عما كان عليه العام السابق، رغم أن الإعلان عن المشاريع الجديدة ما زال مستمرًا، لكن المؤكد أن بدء التنفيذ وبدء الإسناد من الحكومة للقطاع الخاص يعتمد على تحسن أسعار النفط؛ حيث إنَّ السيولة بمثابة الوقود الذي يسيّر العمل في جميع المشاريع، وهذا أيضًا أحد محددات الشراكة بين القطاع الخاص والحكومة عبر إسناد عقود من الحكومة للقطاع الخاص لتنفيذ المشروعات وهو يختلف بالتأكيد عن أشكال أخرى للشراكة بين القطاعين.
الإدارة قبل الشراكة!
وقال عبد الله الجفيلي إنه ينبغي التأكيد على أهمية إدارة الشركات قبل الحديث عن تفاصيل وسبل الشراكة بين القطاعين، باعتباره محددا رئيسيا لشكل الشراكة الأمثل؛ سواء عبر العمل المُشترك أو تحويل شكل الملكية وكذلك شكل الإدارة. ودلل الجفيلي على ذلك بالحرص الذي يوليه أصحاب الأعمال المُباشرين لأعمالهم الخاصة، مقابل حجم الاهتمام الذي يوليه من يوكل له إدارة عمل الغير، وهذا المثال- مع الفارق- يمكن وضعه في الاعتبار عند الحديث عن المؤسسات والشركات الحكومية مقابل القطاع الخاص. وذكر أن محور النقاش بمُنتدى الرؤية الاقتصادي دفعه لجمع معلومات حول مجالس إدارات الشركات الحكومية، ومع احترام كونهم أهل للكفاءة والثقة، فقد وجد أنَّ أعضاء مجلس الإدارة في الغالب يمثلون الجهة صاحبة حصة في الشركة أو تملكها بالكامل، وبالتالي فعضوية مجلس إدارة الشركة الحكومية يأتي كعمل جانبي لوظيفته الأساسية. وتابع: بالطبيعة البشرية فإنِّه يكون من الصعب على الإنسان أن يُركز في عمل يعد بالنسبة إليه عملا جانبياً أو إضافياً بمثل التركيز على عمله الأساسي، وقال الجفيلي إنِّه بشكل عام إذا اختير طرح جزء من ملكية الشركات الحكومية كشكل من أشكال الشراكة المستقبلية بين القطاعين، فإنِّه يفضل أن تطرح النسبة الأكبر للقطاع الخاص وبما يُتيح له أن يمثل بشكل جيد في مجالس إدارات الشركات".
مشاركات الحضور
وتوسعت بعد ذلك الجلسة النقاشية لتشمل مداخلات وتساؤلات الحضور، والبداية كانت بمداخلة عن أهمية التركيز على أسس الشراكة بين القطاعين ووضع منهج واضح وأهداف مُحددة لهذه الشراكة، كما طرح تساؤلا حول التحديات التي تواجه اقتصاديات العالم بسبب انخفاض أسعار النفط ومثال على ذلك جمهورية فنزويلا فقد أحدثت الأزمة تضخم مبالغ فيه وزيادة في أعداد الباحثين عن العمل، وانكماش اقتصادي حقيقي، مشيرًا إلى مدى الاستفادة التي من المُمكن أن تخرج بها دول النفط وبالتحديد السلطنة من هذا الدرس وكيفية إيجاد شراكة مع القطاع الخاص والبحث عن الحلول؟
وجاء رد صاحب السُّمو السيد أدهم بن تركي آل سعيد قائلاً: في ما يتعلق بفنزويلا فهناك عدة عوامل أدت إلى ما هم عليه اليوم ومنها الخطأ الذي تقع فيه العديد من الدول المعتمدة على المصادر الطبيعية والتي ركزت على سياسات شعبية لتعزيز الرفاهية الاجتماعية على المدى القصير حيث ركزت على الإعانات الاجتماعية، ولم تهيئ اقتصادها من منظور التنوع الاقتصادي، وإنما ركزت على امتصاص المؤثرات والصدمات الخارجية، وهذا بالفعل ما حدث بفنزويلا منذ فترة حكم تشافيز إلى فترة الحاكم الحالي حيث لم يعالجوا أساس المشكلة، وكما يعلم الجميع فإنَّ الهيكل الاقتصادي الفنزويلي انهار تمامًا، وهم الآن بحاجة إلى تعديلات هيكلية وقد تكون مؤلمة في الفترة الحالية ولكن أصبحت ذات ضرورة مُلحة.
وأضاف أنَّ الشراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص لا يمكن أن تحل المشاكل الهيكلية بالاقتصاد أينما كانت، ولا يمكن أن تعزز من قطاع معين ليصبح القطاع الرئيسي فيه، وإنما هي تحل إشكالات في البنى الأساسية، وقال: عندما نتحدث عن نقص وعدم قدرة الحكومة في أي بلد كان على وضع بنية أساسية في مناطق معينة مثل تهيئة المناطق السكنية، وعندما لا تستطيع الحكومة مد الشوارع والمياه والكهرباء، فإننا نقدمها للقطاع الخاص ليستثمرها ويستفيد منها بحيث يأخذ الإتاوات التي تعود إليه على أن تكون معقولة ولكنها تسد الحاجة الاقتصادية والاجتماعية، وفي حقيقة الأمر الشركات قد تحل مشاكل مستقبلية وقد يكون منها بناء المستشفيات والمدارس، كما أنها قد تساهم في تطوير حلول ربما لا نستطيع تطويرها اليوم ومثال على ذلك الكهرباء في المناطق الريفية، حيث لدينا الآن قطاع كامل مخصص لهذا الجانب، حيث نترك القطاع الخاص هو من يحدد كيفية الكهرباء أو الطاقة في المناطق الريفية سواء كانت طاقة متجددة أو طاقة من الغاز أو غيرها، ولذلك إذا خلقنا قطاعا مبادرا مهما كان حجمه يجب أن نوفر له البيئة المناسبة التي تحفز على الاستثمار.
تحسن القطاع المصرفي
وحول مدى تحسن القطاع المصرفي في السلطنة، وإذا ما كانت هناك مؤشرات تدل على ذلك، رغم ما يُثار عن وجود زيادة في الديون المُتعثرة وبالتحديد للوافدين، رد رشاد المسافر قائلاً: "يعلم الجميع أن القطاع المصرفي هو القطاع الذي يضع دائمًا أصابعه على النبض ويعلم بذلك ما يصيب القطاعات التجارية الأخرى، وأحد المؤشرات التي نتابعها هي نسب الفوائد على السيولة أو الودائع، وقد لاحظنا في الربع الأول من عام 2017 هدوء الضغط الموجود علينا سابقاً في ما يتعلق بالودائع؛ حيث وصلت النسب المدفوعة على الودائع 5.5 إلى 6 في المئة على الودائع طويلة المدى، كما إننا نتابع السيولة الى تدخل في حسابات العملاء وكيفية طلب تمديد السداد؛ حيث لاحظنا سابقاً أنَّ الضغوط كانت كثيرة في عام 2016 وقد لاحظنا أنَّ الشركات بدأت في عام 2017 تتنفس نسبيًا".
ووجه الحضور سؤالاً آخر عن أكبر تحدٍ يواجه المؤسسات الاستثمارية، وأهم النصائح التي يُمكن أن تقدم إلى رائد عمل جديد لا يمتلك الخبرة، ورد عبد الله الجفيلي بالقول إن هناك العديد من النصائح التي قد يحتاج إليها المبتدئ في ريادة الأعمال ولعل أهم هذه النصائح هو توفير طوق للأمان في حالة تعثر المشروع، كما أنَّ البعض قبل الشروع في أي مشروع قد يكون لديه استثمارات جدًا بسيطة كاستثمار في أرض تجارية أو أرض سكنية أو غيرها والتي تعد من الاستثمارات الآمنة، كما أن من النصائح المهمة لرائد العمل البحث عن شيء يميزه بحيث لا يُفكر في تقليد أو تكرار مشروع منتشر بالسوق.
وقال إن التركيز على رائد الأعمال المبتدئ أكثر، وللأسف الغالبية تقيس الأداء على الربحية السنوية فقط، وفي حقيقة الأمر هي ليست المقياس الوحيد؛ حيث يجب التركيز على 7 جوانب عند تقييم أداء المؤسسة، منها الجانب المالي، والسياسات التي تنفذها الشركة، واتباع والتقيد بالقوانين العامة مع التغيرات التي تحدثها بها، أما الجانب الرابع فيتمثل في التنمية البشرية بالمؤسسات، والعنصر الخامس مرتبط بالهوية التسويقية، والجانب السادس هو الاتصالات والتواصل، بينما الجانب الأخير متعلق بجودة المنتج والخدمات.
وفي استفسار حول تمكين المرأة اقتصادياً وأهم المشاريع التي يُنصح بها والتي يمكن أن تتبناها المرأة العمانية خارج إطار المشاريع الأنثوية مثل صالونات التجميل ومحلات الخياطة والتطريز، أجاب عبد الله الجفيلي قائلاً إن دراسة عالمية تظهر أن النساء أكثر إنفاقا للمال من الرجال، كما أن أي مشروع يستهدف النساء والأطفال والأسر، ترتفع قابلية بيع المنتج أو الخدمة المقدمة فيه مقارنة بالمشاريع التي تستهدف الرجال أو العامة. وأضاف أنه ليس بالضرورة الفصل بين المرأة والرجل، لافتا الى إحدى المستفيدات من "شراكة" أسست مصنعا ينتج منتجا فريدا من نوعه خاصا بصناعة الأصماغ، مثل تلك المستخدمة في تركيب الرخام على الجدران، وقد بدأت بخط إنتاج لمنتج واحد فقط، والآن لديها 7 منتجات، ومشروعها الآن على مشارف دفع جميع التزاماته المالية لـ"شراكة"، موضحًا أنّ المتتبع لهذه التجربة قد يتساءل ما إذا كان هذا المشروع مناسبًا مع طبيعة المرأة أم لا، غير أن الواقع يؤكد أنَّ المرأة أثبتت قدرتها على العمل وإدارة أي مشروع تجاري.