تعزيز مكانة السلطنة اقتصاديا

 

راشد الغافري

 

قبل مدة من الزمن وبعد أن أعلنت السلطنة عن إنشاء منطقة الدقم ظهر في بعض القنوات ووسائل التواصل الاجتماعي حوارات خرجت بنتيجة سلبية مفادها أنَّ السلطنة تسعى لضرب مصالح المنطقة وتسعى للهيمنة على التجارة وغيرها من العبارات التي أريد من خلالها إظهار السلطنة على أنَّها تنفذ أجندات خارجية وتخضع لضغوطات إقليمية !!

إلا أنَّ السلطنة مضت في طريقها لإنشاء هذه المنطقة دون أن تلتفت لترهات القيل والقال، وبدا عليها تغليب مصلحة شعبها على أية تأويلات خارجة عن سياق المنطق والمعقول .

واليوم يظهر جليًا أهمية المكان وأهمية التخطيط له وذلك من خلال ما شهدناه ونشهده من توقيع اتفاقيات لإنشاء مشاريع ضخمة مع أطراف عدة عربية وغير عربية وخليجية وذلك في رد واضح لتبيان النهج الصحيح الذي سارت عليه السلطنة في تعاملها مع الكل من منطلق المصلحة العامة التي تعود بالخير على شعوب المنطقة.

فحكمة السلطنة التي سارت عليها بنهجها للسلام والتعامل مع مختلف الدول والشعوب فيه مؤشر جيد على دعمها اللامتناهي لاستقرار الاقتصاد العالمي، على عكس الفتن وشن الحروب التي لا تجلب سوى الخراب والدمار، وقد كان حريا بأصحاب تلك المقاطع والتغريدات وضع ذلك في سياقه الصحيح فإرساء السلام والاستقرار أجلب للطمأنينة وللثقة التي تتطلبها الأسواق من شن الحروب ونشر الفتن التي لا تأتي بخير لأحد ومنذ متى كانت الحروب جالبة للاستثمار أو داعمة للمقدرات ؟!!

وقبل أيام قلائل أيضًا وفي خضم حوارات منتدى الرؤية الاقتصادي والذي ناقش وبكل جدية واقع الاقتصاد العماني ومستقبله وسعى لتأسيس رؤى اقتصادية هادفة ظهرت في ذات الوقت في وسائل التواصل إعابة لبعض السلع العُمانية المصدرة إلى دول الجوار وتفاعل ذلك الأمر في المجتمع بصورة أشبه باشتعال النار في الهشيم، وكأنما لسان حال التوقيت هو مشاغلة هذا المجتمع عن رؤاه الاقتصادية المستقبلية!!

ومع إيماننا بحق الشعوب والمُجتمعات في رعاية مصالحها وحماية شعوبها من خلال ما تتخذه من قرارات وقوانين إلا أننا ومن واقع تلك المقدمة وتلك الأحداث يجب أن ندرك أيضاً أنَّ مايحدث من حولنا قد لا يكون عفويًا ولا هو محض صدفة ولا مجرد أمر عابر، بل وجب علينا أن نكون على وعي تام بحقيقة مايجري من صراعات في الأسواق العالمية خصوصا تلك المنافسات الموجهة للسيطرة على المقدرات والتي قد تكون في حقيقتها منافسات غير شريفة !!

وفي هذا السياق نود أم نقف على بعض النقاط في هذا المقال، ولكن قبل ذلك ننوه إلى أن نجاح أي سوق أو سلعة يعتمد بصورة مباشرة على "السمعة الطيبة" التي تعرف عنه، وإذا ما شوهت تلك الصورة فبلا شك سيكون ذلك عامل انهيار لتلك السلعة أو ذلك السوق وهو أمر يجب التنبه له جيدًا فلا ننساق مع ما قد يؤثر علينا سلبًا، فسمعة صادرات السلطنة من السلع والبضائع تشيد بها الكثير من الأسواق العالمية التي وصلت إليها بكل ثقة وحدوث هفوة إن صحت لا تعني نسف كل تلك الجهود التي سعت لتتبوأ تلك المكانة العالمية .

 

من هنا نود أن نقف على الآتي :

الوقفة الأولى على أفراد المجتمع الحذر من نشر وتداول كل ما يسيء إلى السوق العمانية لأن مرد ذلك سيكون كارثياً على الجميع، فإذا ما فقد أفراد المُجتمع ثقتهم بذلك السوق كان التأثير سلبياً جداً على حركة البيع والشراء وهو أيضًا وارد الحدوث بصورة أكثر كارثية إذا ما استشعرت السوق العالمية عنَّا ذلك الأمر !!

وبالتالي علينا جميعاً أن نكون حذرين من الإنجرار خلف دعايات وإشاعات هدفها ماعاد يخفى على أحد في ظل التنافس الحاصل في الأسواق العالمية .

أما الوقفة الثانية فإنَّ موضوع الخضار والفاكهة وما أشيع عنهما يعني بالضرورة أهمية متابعة هذا الموضوع بغض النظر عن الصدق أو الكذب في ذلك، ورغم عدم إنكارنا للجهود التي تبذلها الجهات المعنية إلا أن ذلك يعني فيما يعنيه أهمية تكثيف تلك الجهود والسبب لا يخفى على أحد، فالعمالة الوافدة التي استلمت الخيط والمخيط فيما يتعلق بزراعة تلك الأصناف هي بحاجة فعلاً لأن تراقب وأن تسن لها القوانين الصارمة والتشريعات الحازمة وأن يكون بالمُقابل هناك وعي مجتمعي من المنتج والمستهلك في كيفية التعاون والتكاتف للقضاء على الممارسات الخاطئة لتلك العمالة التي لا تراعي فينا إلاً ولا ذمة، بل أصبح كل همها الربح السريع حتى ولو كان ذلك على حساب صحة المواطن وعلى حساب صلاحية التربة في هذا الوطن .

فكثير من المزارع والضواحي باتت في يد هذه العمالة تعيث فيها فساداً بلا رقيب ولا حسيب وبلا خبرة في مجال الزراعة ودونما تخصص في شؤونها، خصوصا فيما يتعلق باستخدامها للأسمدة والمواد الكيماوية والتي باتت تؤثر بصورة مُباشرة في كم الإنتاج السريع على حساب الجودة وعلى حساب الاشتراطات الصحية.

وقد كان لي مقال سابق منذ عدة أشهر حذرت فيه من مغبة هذا الأمر سواء ما تعلق منه بالثروة النباتية أو الحيوانية.

وعليه فإننا نأمل كمواطنين مستهلكين لتلك السلع من الجهات المعنية العمل على تقنين هذا الأمر وتشجيع العمانيين للعودة إلى مزارعهم من خلال ما يُمكن تقديمه لهم من دعم يعينهم على تخطي الآثار السلبية التي خلفتها تلك العمالة ويمكنهم من الحصول على دخل ثابت يجعلهم قادرين على التفرغ لمتابعة تلك المزارع والعمل فيها والإشراف عليها.

الوقفة الثالثة قد يكون ماحدث شكل صدمة للمستهلك وقد يتسبب بخسائر لبعض المنتوجات بالنسبة للمنتج، وهنا نقول "رب ضارة نافعة" فعسى أن يلتفت أصحاب القرار لما حدث حتى يتم تأطير هذا الأمر ووضع الخطوط المناسبة له .

هذه الصدمة تدعو وبكل وضوح جميع الجهات الحكومية والخاصة والمواطن سواء كان منتجاً أو مستهلكاً للتكاتف والتعاضد والعمل الجاد من أجل قوة السوق العماني وتثبيت أركانه .

وإن كان من إشادة في هذا الجانب فإننا كمواطنين نشيد بتوجه صحيفة الرؤية فيما تسير عليه من خطوات من أجل رؤية اقتصادية راسخة وقوية لهذا السوق وذلك من خلال ما طرحته في منتدى الرؤية الاقتصادي والذي بلا شك ستكون توصياته رافدًا مهماً ليس لتجاوز الأزمة الاقتصادية الحالية وإنما لترسيخ دعائم اقتصاد مستقبلي لهذا الوطن إن تم العمل بها والتجاوب معها.

ختاماً.. يجب فتح منافذ للتسويق الزراعي والحيواني وأن يكون ذلك بإشراف مباشر من جهات الاختصاص وفق الاشتراطات الصحية والبيئية المناسبة، كما نأمل أن تكون هناك متابعات دورية للمزارع والعاملين فيها، بالإضافة إلى الرقابة الصارمة للمواد الكيماوية المستخدمة وآلية صرفها وتوزيعها، وذلك حتى تعي العمالة الوافدة جدية هذا الأمر قبل أن تقدم على أيّ فعل مخالف قد يتسبب في تشويه صورة سوق بأكمله وتتسبب في كساد تجاري لا تحمد عقباه.

تعليق عبر الفيس بوك