صحوة الأمم

 

حاتم الطائي

الحديثُ عن صحوة الأُمم لا يأتي من فراغ، وبلوغ هذه الصحوة لن يتحقَّق إلا على أُسس راسخةٍ كالطودِ العَظيم، ونحنُ في عُمان وبفضل الرؤى السامية للنهوض بشتى مجالات العمل والإنتاج، نسعى لتحقيق صحوتنا الخاصة، من خلال التطوير والتنمية، ولا أدلَّ على ذلك من الخُطوة المُباركة التي اتِّخذتها وزارة التربية والتعليم لتدريس السلاسل العالمية في الرياضيات والفيزياء، اعتمادًا على مناهج "أوكسفورد". فمن شأن هذه المناهج أن ترسم مُستقبلاً مُغايرًا لأبنائنا بعد عقدٍ أو عقدين من الزمان، وقتئذ سنحصد ثمار ما غرسناه في نُفوس هؤلاء، من معارف وعلوم تُواكب أحدث المُتغيرات، والأهم من ذلك أنَّها تُحفِّز على الابتكار، تلك اللفظة السحرية التي ستُغيِّر ملامح الكون من حولنا في المُستقبل..

وهذا المُستقبل كان المحور الرئيس لمُنتدى الرؤية الاقتصادي الذي شهد طرح العديد من التَّوصيات والأطروحات الداعية لتبني ثقافة الابتكار وتعزيز آليات نشرها لاسيما بين أبناء الجيل الجديد، ذلك الجيل الذي نشأ على الهواتف الذكية، والتَّطبيقات التي يُمكنك من خلالها السفر حول العالم وأنت جالس على أريكة منزلك..

فالابتكارُ روح التَّقدم وشعلته، وبالابتكار عاش الإنسان وعمَّر الدنيا بالإنجازات المُختلفة، وبه تحيا الأمم وتحجز لنفسها مساحات تليق بقدرها في الصفوف الأولى بين دول العالم، وهو المُحرِّك الأساسي للاقتصاد والمُجتمع، ولا شك أنَّ الاهتمام بالمُبتكرين يتصدَّر أولويات الأمم النَّاهضة.

أبناؤنا اليوم هم المَعادِن النفيسة التي تحتاج إلى جهدٍ لاستخراجها، من خلال دعم خُطط نشر ثقافة الابتكار الذي يُمثل أحد أبرز الجهود التي تُساعد على تحقيق مُعدلات نمو اقتصادي مُرتفعة في المُستقبل، وذلك عبر خلق بيئة مُحفزة تُساعد المُبتكرين على استشراف المُستقبل ومتطلباته، وإبداع الحلول النَّاجعة للتَّحديات المُرتقبة.

المُستقبل كلمة لا تعني الاستسلام للقدر وغموضه، ولكن تشكيل ملامحه في الوقت الحاضر، عن طريق فتح الباب أمام الأفكار الطموحة والرؤى البناءة المُتطلعة إلى إحداث التَّغيير المنشود في ذلك المُستقبل القادم، الذي لن يسمح إلا للمتفوقين بالمرور من خلاله، ومواصلة المسيرة.

العالمُ من حولنا في سباقٍ محمومٍ نحو التَّقدم والبناء، والطريق يَعجُ بالتَّحديات، وفي ظل هذا وذاك، يحدونا الأمل في بلوغ مكانة تليق بتاريخنا وطموحاتنا، فالثورة الصناعية الرَّابعة والتقنيات الهائلة والمتطورة التي يشهدها العالم يتعيَّن علينا استثمارها وتوظيفها لبناء مستقبلنا، بجانب وضع خُطط عملٍ وآليات لتنمية الاقتصاد الوطني، كي نسير مع ركب التَّقدم ونحرز المنزلة الرفيعة اقتصادياً ومعرفيًا وعلميًا.

ثمَّة جهود مضنية بذلت في السلطنة منذ فجر النهضة المُباركة، فتحت المجال لإبداعات عُمانية في شتى المجالات، بدعمٍ من مُؤسسات مُختلفة معنية بدعم الابتكار وخلق بيئة مُحفزة له، لكن في المُقابل لم نلمس حتى الآن ما يُطمئننا على المُستقبل، وإنّنا نمضي على الدرب الذي يأخذ بدولتنا الفتية نحو التَّقدم والرُّقي..

إنَّ دعم الابتكار جزء لا يتجزأ من منظومة تطوير الاقتصاد، فهذا الأخير لن يُحقق النهضة الحقيقية دون إتاحة المجال أمام العقول المُستنيرة كي تبني الوطن بسواعد التقنية الحديثة، بأدوات هذا العصر الذي يعتمد على الآلة والإنسان الذي يُطوِّر هذه الآلة لتلبي احتياجاته.

علينا في هذا السياق أن نتطلع إلى مُختلف التجارب الناجحة في الدول المُتقدِّمة، ومنها ما اعتمد على إنشاء صناديق مخصصة لتقديم الدعم الفني والمادي للابتكار، وكذلك توعية المجتمع وتثقيفه بما يكفل إيجاد بيئة إيجابية مولدة وحاضنة للأفكار الجديدة والحلول المُتقدمة.

الابتكار- كمصطلح- يعتمد على توليد فكرة جديدة أو طريقة تضيف قيمة تجارية أو معنوية عبر تحويل الفكرة إلى قيمة تدر العائدات، غير أنَّ ذلك يحتاج إلى كثير من الجهود التي تبدأ بتنمية التفكير العلمي والعملي لدى الشباب، وتنتقل إلى تحويل الفكرة لواقع عبر البحث والتطوير.

إنّنا نحتاج لاستكمال البيئة المجتمعية الشاملة ووضع إجراءات وسن قوانين تخدم المُبتكر وتنمي البيئة الحاضنة له، ما يضمن الاستفادة من الخبرات المتوافرة لدى مختلف الجهات الداعمة للابتكار في السلطنة، وتجميع هذه الخبرات والجهود في بوتقة واحدة..

ويبقى القول.. إنَّ بناء "اقتصاد المُستقبل"، بات مسؤولية وطنية على عاتق مُختلف فئات المُجتمع، ويتعيَّن عليهم البحث عن كافة السبل والآليات التي تُمهد الطريق نحو هذا المُستقبل واقتصادياته القائمة على الابتكار، والتي تتخذ من عناصر الثورة الصناعية الرابعة منطلقًا نحو آفاق واعدة وأكثر شمولية ورحابة..