على خطى الكوتش كارتر

 

زينب محمد الغريبية

لستُ من مُحِبِّي مُتابعة الأفلام لكن الأفلام القليلة التي تابعتها صدفة كانت تَحْمِلُ حكايات مُؤثِّرة مبنية على أحداث حقيقية، هذا الأسبوع بعض المواقف جعلتني أسترجع أحدها وهو فيلم الكوتش كارتر الذي حقق عوائد تفوق (76) مليون دولار حين عُرض لأوَّل مرة في دور السينما منذ أكثر من خمسة أعوام حيث تابعته في المملكة المُتحدة، وجعلني لأيام أفكر في القضية التي كان ينطلق منها وهي التَّحفيز وإثارة الدافعية من خلال المنع من الأشياء التي يُحبها الإنسان، وهو الذي قام به كين كارتر وهو مُدرب كرة سلة أسمر عمل مدرسًا للتربية الرياضية في مدرسة ثانوية كان الجميع فيها يُعاني من تدني درجاتهم الدراسية الدورية، على الرغم من أنَّ مُعدل النجاح في المدرسة لم يكن يتعدى 50%، ومع ذلك كان القليل ينجح ويدخل إلى الجامعة، أما البقية فكان الشارع يستقبلهم بكل جماعاته النشطة في مجالات إجرامية، ولذا قرَّر هذا المُدرب حرمانهم من هذه الكرة التي يحبونها إن لم يعملوا بجدٍ من أجل تغيير طريقهم ومُستقبلهم، من أجل أن يحققوا شيئاً ذا قيمة يرفع من شأنهم، ويضمن لهم حياة مُختلفة عن تلك التي يراد لهم العيش فيها.

قادتني نسبة الخمسين بالمائة إلى شيء آخر.. إلى الموظف الذي يجد نفسه غير مسموح له أن يعمل أكثر من ذلك، بل أحياناً أقل، وأحياناً يُحرم حرماناً لا يتوقعه أحد، هل يا ترى مسؤوله شاهد فيلم الكوتش كارتر ويُريد أن يدفعه إلى تحقيق ما لن يحققه في ظل غياب ذلك المنع من كل شيء؟ هل بالفعل من يفكر بذلك التفكير في مؤسساتنا؟ إن وجد فإننا أمام حالة مُختلفة لما يرسم عن المشهد الذي يتفاقم فيه الإقصاء والتهميش لكثير من الذين يبذلون طاقاتهم من أجل بلدهم، من أجل أن يكونوا مُنتجين في ظل انحسار دوائر الإنتاج، ومن أجل أن يزرعوا لتينع ثمار يقطفها آخرون في أمس الحاجة لها، لو وجد مثل هذا الكوتش الذي يجعل الغاية سامية أمام الإنسان، ويعمل على حمايته من أي شيء قد يُؤثر على دافعيته وطاقته للعمل، لكان الوضع مختلفاً.

لا أزال أذكر ذلك السؤال العميق الذي سأله الكوتش كارتر في لحظة حرجة في الفيلم لأحد الطلبة، حيث قال له: ما أكثر شيء تخاف منه؟ هو السؤال الذي يُمكن أن يسأل لكثير من المسؤولين والموظفين، قد تكون الإجابة إنِّي أخاف أن ينجح هذا الموظف؟ أخاف أن يعمل شيئاً مميزاً؟ أخاف أن ينتج وأنا لا أنتج، ربما أشعر بالغيرة من فكره، وقد يقول قائل أخاف أن يُعدي بقية الموظفين بالجدية والنشاط، لكن لا أحد يُمكن أن يقول أخاف أن تخسر مؤسستي هذا الموظف، هو كنز ثمين لو خيرت لن أفرط فيه، دعونا بعيدًا عن هذه الإجابات نستمع إلى الإجابة التي ردَّ بها هذا الطالب على الكوتش كارتر:، حيث قال له:

أخشى ما نخشاه ليس أننا ناقصون، بل إنَّ أعمق مخاوفنا هي كوننا أقوياء للغاية، إنه نورنا، وليس ظلامنا، الذي يُخيفنا بالأكثر، اختيارنا العمل على نطاق ضيق لا يخدم العالم من حولنا، لا فخر بأن ننزوي ونقلل من شأننا فقط حتى لا يشعر آخرون بعدم الأمان لوجودنا بجانبهم، نحن جميعاً مخلوقون لكي نشع النور مثل الأطفال الصغار، هذا النور ليس حكرًا على فئة قليلة منِّا، بل هو موجود في داخل كل واحد منها، حين ندع ذلك النور بداخلنا يشع ويشرق على وجوه الآخرين، فنحن بشكل غير مُباشر نعطي الإذن للآخرين كي يتألقوا مثلنا، حين نتحرر من خوفنا الداخلي، ساعتها يصبح وجودنا سبباً كافياً لتحرر الآخرين مثلنا بشكل تلقائي.

قد يكون من الجميل أن تعملوا على مشاهدة هذا الفيلم مرة أخرى هذا الأسبوع لكي تستمعوا لكل هذه الكلمات، ولتعرفوا أنّ المنع ليس دائماً من أجل غاية سامية كتلك التي يحملها الكوتش كارتر، قد يكون لغاية أخرى هدفها إطفاء النور وزرع الخوف، لكن ردد هذا السؤال دائمًا ما الذي يُخيف مسؤوليي مني؟ لا شيء متعلق بك ..إنما قد يكون شيء متعلق بهم، إذن أنت لا تملك تغييره ..ولكن تملك تغيير نفسك والحفاظ على النور الذي يشع بداخلك هناك آخرون يحتاجونه، حتى وإن عمل آخرون على انطفائه.