الغرف المغلقة.. وتأثيراتها على المجتمع والدولة

 

د. عبدالله باحجاج

هل يعقل ان نترك مجتمعنا دون ضمانات قانونية تحافظ على ثوابته وقيمه؟ وكيف يمكننا التحكم في التطورات المجتمعية خارج السياقات القانونية؟ وكيف نفسر عدم وجود رقابة رسمية على نشاط محلات تتاجر بمنتجات تستهدف فئتي الشباب والأطفال، وتقدم لهم كافة الإغراءات لدواعي الاستقطاب المشروع وغير المشروع تحت جنوح المال؟ بعض هذه المنتجات تستغلها قوى الإرهاب للوصول لهاتين الشريحتين، وللأسف، هناك محلات تتوفر فيها (البيئة المواتية) لهذا النوع من الاختراق الإرهابي وكذلك الأخلاقي.

تلكم مقدمة قضية نطرحها اليوم بصوت عال، ففيها يظهر لنا مجتمعنا المحلي عاريا دون أية حماية قانونية ومؤسساتية أو مجتمعية رغم وجود مؤسسات حكومية ومنتخبة، ومن ثم علينا أن نستشرف الأسوأ، ومنها أيضا، تفتح لنا ماهية الخلل الذي سوف يسبب لنا الصداع السياسي والاجتماعي المقبل، بسبب عدم قدرة فاعلين داخل هذه المؤسسات على تأدية دورها قبل اكتشاف المخالفات التي ترتقي إلى مستوى الجرائم أو حتى بعد اكتشافها، لماذا؟ هل ترهلت أم أحبطت؟ وكيف تقف عاجزة على إنزال العقوبة على المخالفين بعد أن ثبت لديها المخالفات بالأدلة الميدانية القاطعة؟ أننا نتحدث هنا عن محلات ألعاب التسلية ومحلات بيع التبغ (الدوخة) في محافظة ظفار، ومن حيث المبدأ، ينبغي التأكيد على أهمية وجود محلات ألعاب التسلية داخل المجتمع، لمتطلبات سياحية وكذلك لقضاء شبابنا أوقاتهم في التسلية، لكن، هل محلات التسلية كلها أو بعضها تؤدي خدماتها النبيلة؟ بعد أن تم شكلت لجنة خماسية من الشرطة وبلدية ظفار والقوى العاملة والتجارة والصناعة وحماية المستهلك، فريق للمسح الميداني لبحث أوضاع تلك المحلات، وقد تناولناها في ثلاثة مقالات سابقة، حملت العناوين التالية، الأول، دوخة على الطاير.. الأولى بالمجان، والثاني، لدينا أفضل.. الدوخات والمداوخ، والثالث، الملك للتبغ والدخان، إلا أن هذه اللجنة بعد أن تسلمت تقريرا كاملا عن هذه الأوضاع من فريق مسح ميداني، إلا أنها تقف الآن عاجزة تماما عن اتخاذ أية إجراءات قانونية ضد المحلات المخالفة لما رخصت له، والسبب نرجعه إلى شعورها بالخجل الذاتي، وبالإحراج القانوني، فكيف تعاقب هذه المحلات، وهي تجدد لها سنويا – ولعدة سنوات - تراخيصها دون أية إنذارات؟ إذا، هل تترك هذه المحلات تواصل تدمير البنية القيمية والأخلاقية لشبابنا وأطفالنا بتلك الحجة؟ وهل نتركها حتى تفتح نافذة لقوى الشر لاختراق شبابنا وأطفالنا؟ وما الحل؟ دعونا بداية نتعرف على نتائج المسح الميداني للفريق الذي شكلته هذه اللجنة برئاسة مدير حماية المستهلك بظفار، لنرى جسامة المخالفات.. ودواعي العقاب أو التصحيح العاجل.

•   محلات لألعاب التسلية أم ماذا؟

اختار فريق المسح الميداني ولايات صلالة ومرباط وطاقة لدراسة أوضاع هذه المحلات، فاكتشف أن (71%) من هذه المحلات مخالفة لما رخصت له، وهذا يجعلنا نتناول القضية كظاهرة عامة، وكقضية مجتمع ودولة معا، علما بأن هناك (65) محلا للتسلية، غير المحلات غير مرخص لها – وتمارس تلك النسبة الكبيرة أنشطة مخالفة قانونا، مثل تأجير الغرف المغلقة، وعرض القنوات المشفرة، والسماح بالتدخين، وعدم الالتزام بمواعيد العمل، وإيواء العمالة السائبة، فنسبة (50%) منها عمالة غير قانونية، وكذلك تفتقر إلى الشروط الصحية، كاستئجارها سراديب تحت العمارات السكنية، ووجودها بين الأحياء السكنية، وما تحدثه من ازعاج للساكنة، وتلكم الاكتشافات خطيرة جدا، لا يمكن السكوت عليها، فكيف لم تكتشف من قبل؟ أين دور الأجهزة الرقابية والمتابعة؟ وكل من يتابع بعض هذه المحلات، سوف يكتشف منذ الوهلة، ارتياد مجموعة كبيرة من الأطفال لها، ومكوثهم فيها حتى منتصف الليل بل والصباح في حالات كثيرة، ويخرج الكثير من الطلبة من المدارس إليها، فيما أكد لنا مصدر رسمي وجود أطفال في سن (الثامنة) داخل بعض هذه المحلات حتى الفجر، فإين دور الأسر؟ التساؤل الأخير يفتح قضية كبرى قد نتناولها في مقال مقبل، إذن، هذه ليست ألعاب لتسلية شبابنا وأطفالنا، بل بؤر لفسادهم، بشهادة اكتشافات الفريق، وللأسف هذه المحلات قابعة داخل الأحياء السكنية، يفصلها عن منزل الطفل متر أو مترين على أقل تقدير، وبالتالي، فمن السهولة المكانية والمالية كذلك، جذب الشباب والأطفال لمشاهدة قنوات مشفرة أو أفلام مشينة قد يحضرها الشاب معه، والمشاهدة تتم داخل غرف مغلقة، وداخلها (مراتب وجوادري) ووضعها شبيه بأوضاع المجالس، ويؤجرون كل غرفة ما بين (ريال ونصف وريالين) للساعة، وأبوابها تغلق بالمفاتيح، ولا يمكن رؤية ما بداخلها - المحلات المخالفة - فهل لنا تصور أسوأ السيناريوهات لهذه الجزئية الخطيرة جدا؟ وهكذا يتربى جزء كبير من شبابنا وأطفالنا داخل هذه المحلات، على أفلام مشينة، وتدخين، في ظل ظروف غير صحية.. ولنا أيضا تخيل سلوك التدخين وماهيته وخلفياته، فمن لم يسبق له من الأطفال والشباب التدخين، فسيتعلمها من مثل هذه المحلات المخالفة، والتخيلات والتصورات تكتسب صفة شرعيتها في الطرح كاستنتاج يرافق ماهيات المخالفات نفسها.

•   محلات بيع التبغ (الدوخة)

أما بالنسبة لمحلات بيع التبغ ومنتجاته، فقد اكتشف فريق المسح الميداني جرائم أخرى ترتكب بحق شبابنا وأطفالنا، وكذلك مخالفتها للقوانين، نذكر هنا، عدم التزامها بقانون العمل العماني، وعدم قانونية عمل العمالة فيها، وكذلك عدم مطابقة منتجات التبغ المباعة في المحلات للمواصفات المعمول بها وعدم وجود بيانات إيضاحية على المنتجات، وعدم توفر تراخيص البلدية في بعضها، والسماح بالتدخين داخل المحلات، كما اكتشفت كذلك تعبئة التبغ في علب المياه البلاستيكية الفارغة المستعملة، وعدم تقييد بعض المحلات بقرار عدم بيع التبغ (الدوخة) لما دون السن (18) سنة، والتساؤلات نفسها التي أوردناها في قضية محلات التسلية، تنسحب على محلات بيع التبغ في ضوء المخالفات الكبيرة التي اكتشفها فريق المسح، وهذا يعني فشل أجهزة الرقابة والمتابعة، لأنّها لم تكتشف إلا بعد تشكيل هذا الفريق، رغم أننا قد فتحنا ملفها في عدة مقالات، ورغم الكثير من الأحاديث الاجتماعية، لكن التسليم الرسمي بعدم التزامها بقانون العمل العماني وبمخالفة التبغ الذي يقدم للشباب والأطفال للمواصفات المعمول بها، وانتفاء وجود البيانات الإيضاحية على التبغ، يفتح ملف الرقابة والمتابعة للأجهزة المحلية الرسمية، ويحملها المسؤولية كاملة، كما يفتح الآفاق لمسألة التلاعب بالمنتجات إلى ما هو أبعد من تدخين التبغ، بهدف جذب الشباب والأطفال إلى مستنقعات الإدمان، خاصة وأن بعض المحالات لم تتقيد بعامل السن، وتغري أطفالنا وشبابنا بتقديم الدوخة الأولى بالمجان، وقد حرصت على فتح محلاتها بالقرب من المدارس والمساجد، بل والتلاعب بالمنتجات، فما هو تأثير هذا التلاعب على صحة شبابنا وأطفالنا ؟ رؤية تفتح لنا الآفاق.

•   إشكالية الفراغ القانوني.. تصطدم مع الحل.

رغم الإقبال الكبير على فتح محلات ألعاب للتسلية وأخرى لبيع التبغ، ورغم وجود الطلبات المتزايد على فتح محلات مماثلة، إلا أنه لا يوجد قانون ولا اشتراطات تنظم عمل هذه المحلات حتى الآن، فهذه مسؤولية من؟ وأين دور مجلسنا البلدي المنتخب السابق والحالي؟ فالحديث عن اتخاذ بعض محلات ألعاب التسلية السراديب مقرا لها، وعن الغرف المغلقة، وعن اختلاط الصغار مع الكبار لمشاهدة القنوات المشفرة.. ولا من حيث مساحتها، لا ينظمها أي قانوني أو اشتراطات حتى الآن، فكيف نريد معاقبة المحلات المخالفة؟ يمكن معاقبتها من منظور خروجها عمّا رخصت من أجله، وما تقوم به، بالتأكيد لا يدخل في اختصاص الرخصة القانونية، فهل الغرف المغلقة مثلا يدخل في صلب التسلية والترفيه؟ ولماذا يكون بداخلها أدوات للنوم؟ ما يدرينا ما يجرى بداخلها؟ وكلنا نعرف كيف وصلت داعش إلى الشباب عن طريق الألعاب الأون لاين، فماذا يحدث داخل الغرف المغلقة؟ تساؤلات لابد أن تطرح من حيث المبدأ، فتلكم المخالفات تدمر كل ما تبنيه المؤسسات التربوية والتعليمية والأسرية.. بل مؤسسات الدولة كلها، فأينكم أعضاء مجلسنا البلدي؟ وعدنا عضو مقرب لنا بفتح هذا الملف بعد مقالاتنا سالفة الذكر، لكننا لم نشاهد فعلا، فماذا تهتمون يا أعضاءنا المنتخبين إذا لم يكن مثل هذه القضايا في أولويّاتكم؟ لابد من الجهات العليا تتدخل فورًا من منظور بقاء محلات ألعاب التسلية كترفيه برئ ونظيف يساعد شبابنا وأطفالنا على عبورهم السني الآمن على غرار ما أقدمت عليه في قضايا الأندية الصحية، مع توضيحنا بأن هناك فعلا محلات ملتزمة بالغاية السامية لإنشائها رغم تطلعاتها الربحية.