تطوير "الوقف"

 

فايزة الكلبانية

لا يختلف اثنان في أهمية المسؤولية الاجتماعية والأعمال الخيرية والتطوعية وتأثيراتها الإيجابية على المُجتمع، سواء على صعيد الأفراد أو المؤسسات؛ حيث إنِّها تعد إحدى القنوات التي تدعم المصلحة العامة وهي مطلب أساسي لتقوية روابط العلاقات الإنسانية، وتعد من أسمى الواجبات التي تجعلنا نتعاطى مع ذواتنا ومع الآخرين ومع مُجتمعنا بروح المسؤولية.

وكثرت مؤخرًا المطالبات بضرورة وجود هيئة أو جهة حكومية تعنى بالمسؤولية الاجتماعية تكون منصة للتفكير والتشاور والنصح لقطاع الأعمال ولتبادل الخبرات في أفضل الممارسات لتحقيق المسؤولية الاجتماعية، لأنَّ ما يقتطع للمسؤولية الاجتماعية من مبالغ لا يؤثر سلباً في أرباح الشركات ولا في دخل الأفراد، بل العكس تماماً فالشركات التي تُمارس المسؤولية الاجتماعية تحظى بدعم المُجتمع عبر إقبال المستهلك عليها. وجاء مشروع "المؤسسات الوقفية الخيرية" ليُلبي أحد هذه المطالب بتنظيم هذا الجانب الاجتماعي.

ومن هذا المنطلق نبارك لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية مُبادرتها لتأسيس مشروع "المؤسسات الوقفية الخيرية"، والتي تمَّ تدشينها في الأيام المنصرمة في إطار رؤية متكاملة ومنظومة تشريعية قانونية وإدارية كانت ثمرة تجربة عملت عليها الوزارة قرابة عشرين عامًا. وتتمثل فكرة المشروع في وجود بادرة حضارية مُستقلة تعد الأولى في بنيتها الاستراتيجية والتنفيذية في العالم الإسلامي، خاصة وأنّها تتيح للمجتمع الشراكة الحقيقية في إدارة الأوقاف واستثمارها تحت نظر وإشراف وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وذلك من أجل تنظيم آليات العمل في هذا الجانب، كما وسيُقدم المشروع فكرة مبتكرة لهذه المؤسسات سعياً إلى توزيع مواردها المتاحة بما يحقق تنمية المجتمع ويفتح آفاقاً وقفية برؤية عصرية أمام الداعمين الوطنيين وأهل الخير، كما أنَّه سيُحقق الاستقلالية التنفيذية للمؤسسات الوقفية بعيدا عن المركزية من خلال الاستثمار الأمثل للطاقات والموارد البشرية بالمجتمع لدعم الأوقاف وتعزيز المساهمة في عمارتها وتطويرها بالفكر والخبرة والمال لتؤدي رسالتها الحضارية.

والحقيقة أنَّ "الوقف" ليس عادة جديدة على مُجتمعاتنا العربية والإسلامية، إنما هي متأصلة فيها منذ قرون ماضية، وتشجع العمل التطوعي، فقد أوقف العمانيون ما يقارب 50 صنفاً بالرغم من قلة موارد الرزق، ولكن حاجة الغير ممن حولهم من الفقراء والمحتاجين جعلتهم يلبون نداء الخير ومن يتَّجه لوقف جزءٍ من حلاله وأمواله ما هو إلا متطوع يحتسب الأجر والثواب، ويرسم لخير ينفعه في آخرته، حيث إنّه وكما جاء في تصريحات أحد المسؤولين فإنّ قيمة الأوقاف على مستوى العالم الإسلامي تقدر بنحو ترليون دولار، وهي تشكل قيمة اقتصادية باهظة ينبغي استثمارها بحكمة، حيث إنّه في السابق كانت "الأوقاف" تعمل كمساند للدولة في الإنفاق والمصروفات.

الوزارة من خلال هذه المبادرة تسعى إلى تعزيز المنافسة بين المؤسسات، وقد كفل القانون لهذه المؤسسات أن تحظى بكيان مستقل إداريًا وماليًا، وتبقى مسؤولية الوزارة متمثلة في عمليات الرقابة والإشراف ضمن ضوابط مُعينة، بحيث تكون هناك شراكة بين هذه المؤسسات وبين الوقف، فتتكفل المؤسسات بالاستثمار وتطوير المجتمع، وتكون لها نسبة من الأرباح التي تغطي نفقاتها واحتياجاتها. كما ستفتح المجال لزيادة فرص الاستثمار للشباب العماني، وسيخدم هذا المشروع أكبر شريحة ممكنة من المجتمع واحتياجاته. ومن المتوقع أن يعمل كمظلة تنظيمية لتفاعل المجتمع بمُختلف مؤسساته من القطاع العام والخاص والأفراد في جانب "الوقف"، وسيُسهم في تأسيس مؤسسات وقفية عامة أو خاصة، وتكوين نماذج من المؤسسات الوقفية الإبداعية العامة أو الخاصة بحيث تصلح أن تكون منتجاً نوعياً متكاملاً يقدم كمشروع عُماني حضاري يقتدى به بالعالم الإسلامي في إدارة الأوقاف.

Faiza@alroya.info