مدرين المكتومية
" قُــمْ لـلمعلّمِ وَفِّـهِ الـتبجيلا كـادَ الـمعلّمُ أن يـكونَ رسولا.. أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يـبني ويـنشئُ أنـفساً وعقولا؟ " بهذه الأبيات للشاعر أحمد شوقي أبدأ قولي بأنَّ المعلم هو رسول وهبه الله نعمة تقديم المعرفة للكثير من أبناء المُجتمع، وهي نعمة قد لا يعلمها صاحب الرسالة ولكن المُجتمع يؤمن بها بصورة كبيرة، فالمُعلم قبل أن يكون موظف يقف أمام عدد من الطلاب ليُقدم لهم معلومة ويصحح لهم مفهوم كلمة، ويُعالج حل مسألة رياضية، فهو حتى وإن كان يُعنِّف طالباً على نسيان أداء واجباته المدرسية، أو نسيان كتابه في المنزل، إلا أنَّه الشخص الذي يستأمنه الأب على أبنائه، فثاني مكان يعتبره الأهالي الأكثر أمناً وثقة بعد البيت هو المدرسة، وهي أيضاً المكان الذي يبدأ فيه الطفل حياته الخاصة والابتعاد عن كنف العائلة.
المدرسة هي الرحلة الأولى التي يضطر فيها الطالب لترك حضن أمه، والعمل على تكوين علاقات وصداقات ينطلق من خلالها لبناء نفسه، والأخذ بخياراته، فمن المدرسة تبدأ أول فكرة، أول اكتشاف للموهبة وكل ذلك لا يتأتى إلا بوجود معلم مؤمن برسالته أولا ومن ثمَّ ملم بما يُقدمه للطالب، فهم أمانة قبل كل شيء، وهم مُستقبل عُمان.
حين أتحدَّث عن المُعلم، فإني أخص المُعلم المجيد، ذلك المعلم الذي كرَّس حياته لتقديم معلومة والذي يرى فيه الطالب قدوة، فلو عدنا للوراء قليلا لوجدنا أنَّ في عقل كل منِّا معلماً لا يُمكننا نسيانه، أو معلماً لازلنا نذكره دائماً، وما أجمل أن تكون تلك الذكرى، هي ذكرى لما وصلنا إليه بفضل الله أولاً وبفضل احتواء ذلك المعلم لنا.
وفي كثير من الأحيان تكون الصدمة الكبيرة التي يعيشها الإنسان هي صدمة الانتقال من مرحلة البيت والاهتمام إلى مرحلة المدرسة، المرحلة التي تعد الفاصلة في حياة الإنسان، بحيث إن أول يوم دراسي هو اليوم الذي يعلق في ذاكرة كل طالب، فهناك من يبكي، وهناك من لا يُكمل في مقعده، وآخر يهرب من الفصل الدراسي جرياً خلف والدته، وهناك من لا يجلس في الفصل الدراسي إلا بوجود والدته، ومن بين المواقف أذكر أنني خلال الثلاثة أيام الأولى من دخولي للمدرسة لم أترك أمي، كانت تنتظرني خارج الفصل الدراسي لتضمن استمراري وبقائي، حتى اعتدت على الوضع، وبدأت مشواري الدراسي الذي كان جميلا ورائعا، والكثير ممن تلقيت تعليمي على أيديهم لازلت أذكرهم وأذكر مواقفهم معي ولذلك أؤمن بأنني اليوم هنا وأكتب لهم ولكل مجيد أمثالهم شكرا وتقديرا لما قدموه مع التعليم من حب واحترام، وتعزيز للأخلاق والقيم والاعتبارات الأخرى، فشكراً لما قدمتوه ولازلتم تقدمونه للأجيال القادمة.
madreen@alroya.info