غزوة "التوماهوك" والسحر الروسي

 

 

حمد بن سالم العلوي

لقد أُتيح لي خلال الأسبوع الماضي، أن أطَّلع على كمٍ هائل من المعلومات، والتحليلات العسكرية والعلمية، المكتوبة أو المُذاعة عبر القنوات الفضائية، وقد خرجت بقناعة جيدة، بأنَّ غزوة "التوماهوك" الأمريكية قد أُعد لها مسبقاً، لتحقيق هدفين رئيسيين، وهما .. الأول، الثأر لغزوة إسرائيل الفاشلة على مطار الشعيرات، الذي كان يؤذي داعش والنصرة فأرادت نجدتهم، والثاني، إظهار الرئيس ترامب، بأنَّه رئيس مهيب إذا قال فعل، وقال الرئيس ترامب، إنِّه انَعَصر قلبه على أطفال سوريا، لذلك هبَّ لنجدتهم، وكأن القتل بالكيماوي هو فقط الذي حرَّك مشاعره الجياشة، رغم أن لقطة الكيماوي أظهر بعض المُحللين أنها مُفبركة، وعندما عُرض فيلم فيديو يُظهر معالجة الأطفال، قال خبير مصري، إنني أرى تعذيباً لهؤلاء الأطفال، ليس بهم أعراض غاز السارين، وأسماه غاز "الزارين" ثم تساءل أين المصابين الآخرين من الكبار، إنني لا أرى إلا أطفالاً، وكان يحاور أشخاصاً من المُعارضة السورية، فخلص إلى القول، بأنَّه يجزم بأن الموضوع مفبرك، بهدف ضرب سوريا وتدميرها.

وكذلك أتيح لي الوقوف على تحليل للمُتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، حيث قال إنَّ سرعة الإعداد للضربة الصاروخية تُثير الشك، لأنَّ الإعداد لضربة صاروخية كهذه يحتاج إلى وقت طويل من التخطيط، والتقارير الاستخبارية، وتحديد الأهداف بدقة عالية - وهم أصحاب خبرة وتجربة - وإنه من المُستحيل أن يتم ذلك خلال فترة 48 ساعة، وهذا مما يُقوي فكرة فبركة الهجوم الكيماوي، وذلك لجعله فتيل إشعال للضربة الصاروخية، والتي أتت سابقة لأيّ تحقيق منصف، ذلك ما طالب به مندوب روسيا الدائم في مجلس الأمن.

إنَّ الأمر الغريب كذلك، لأن هناك آلاف الضحايا من النساء والأطفال في العراق وسوريا وغيرهم من بلاد العرب، تقتلهم طائرات التَّحالف الأمريكي ما ماثله، ولم يرفُّ طرف للرئيس ترامب حيالهم، وكأن القتل بغير غاز السارين ليس جريمة، أو أن القتل بيد الأمريكان وحلفائهم حلال، أينما كان في بلاد العرب، ولكن القتل بالكيماوي وفي المناطق التي تُسيطر عليها داعش والنصرة بالذات هو الحرام، ومما يجعل الرئيس الأمريكي لا يستطيع النوم، وذلك قبل أن يأمر بوارجه الحربية، بإفراغ مخزونها من صواريخ التوماهوك القديمة، على رؤوس السوريين الذين في جانب الحكومة السورية الشرعية، نقول عن ذلك حسب النية، وليس كما حدث في واقع الحال.

لقد نُفذت أوامر الرئيس المهيب ترامب، وأطلقت بوارجه القتالية، ستين صاروخاً باتِّجاه قاعدة الشعيرات السورية، ذلك حتى يهنأ الرئيس المهيب ويذهب للنوم وهو قرير العين، بعدما انتقم للأطفال الضحايا، ولا أقول ضحايا الكيماوي، وإنِّما ضحايا التمثيل بهم من أجل تدمير دولة عربية، بالدعم العربي والمال العربي والفبركة العربية "وعاشت الأمة العربية الواحدة وجامعتها المصونة" ولكن الروس يقولون، لم يصل من الستين صاروخ إلا 23 صاروخاً إلى قاعدة الشعيرات، والروس أصدق من العرب وأمريكا، إذن أين ذهب 37 صاروخاً؟! وقد أقر الأمريكان بذلك بل وتباهوا بإطلاقها على القاعدة السورية، وكذلك الناظر إلى الأضرار في دشم الطائرات، كما أظهرت ذلك وسائل الإعلام، ليس بذلك الأثر المهول، الذي تُحدثه صواريخ أقل حجماً من التوماهوك، فعلى سبيل المثال، الأثر الذي تخلفه صواريخ الطائرات التي تغير على اليمن، أكبر عشر مرات من الذي رأيناه من أثر تدميري في قاعد الشعيرات.

قد يقول قائل إنَّ صواريخ التوماهوك قديمة، وصواريخ الطائرات التي تغير على اليمن حديثة، وهنا يكمن الفارق .. فنقول ربما، ولكن الذي كانت تحدثه صواريخ التوماهوك في العراق، كان شيئاً مهولاً ومرعباً، ولا يعني هذا أننا نتمنى الدمار لسوريا، ولكن نتكلم بموضوعية مُجردة، ترى هل يُعقل أن تضرب قاعدة جوية بهذه الصواريخ الرهيبة؟! ثم تعود القاعدة في اليوم التالي للعمل!! وكأن شيئاً لم يحدث!! أو أن كل الصواريخ الستين التي أطلقت، قد سحرتها العين الروسية، وتبخرت في الهواء، ولم يصل منها شيء إلى مقصده، وحتى يُحفظ ماء الوجه للرئيس المهيب، قيل إنَّ 23 صاروخاً منها أصابت هدفها، شخصياً أشك في ذلك، لأن عدد 23 صاروخاً عملاقاً من فئة توماهوك، كفيلة بأن تحول تلك القاعدة إلى أرض محروثة، صالحة لزراعة الثوم والبصل، هذا إذا علمنا أن كل صاروخ يحمل 166 قنبلة عنقودية، تتفجر بعد الارتطام بالهدف لتضاعف الضرر.

ترى لماذا قال الروس إنَّ 23 صاروخاً أصابت الهدف، ولماذا لم يحدث التدمير المتوقع، أنا طبعاً لا أُحلل لأنني لست بخبير عسكري بارع، ولكن أضع تساؤلات منطقية، ومقارنات معروفة، ومرئية بالعين المجردة، فعسى الأيام القادمة تظهر ما لم يظهر خلال أقل من أسبوع على الحادثة، التي كانت صبيحة يوم الجمعة الماضية، ونحن اليوم قبل ذلك اليوم بيومين فقط.

كما إنّ السؤال الأهم والأخطر الآن .. هو، هل سيُعيد الرئيس ترامب الكرَّة في ساحة الرئيس بوتين من جديد؟! وقد أعلنت غرفة عمليات الحلفاء لسوريا أنَّهم سيردون إن عاد، ولكن إذا عاد وحصل الأسوأ ماذا سيفعل؟ هل سيشعلها حرباً كونية عظمى؟! أم سيحسبها جيداً وهو التاجر البارع، الذي لا يُحبِّذ الخسائر التراكمية، فربما .. وربما يسعى بالطرق الدبلوماسية، وذلك لإنزاله من قمة الشجرة العالية، التي سقط بغفلة منه على قمتها من جرف هارٍ، فوجد نفسه بين الأغصان الشائكة، وهذا أصعب وضع من التسلق على جذع الشجرة، التي إن اكتشف أنه لا يقوى على الصعود أكثر، يكون بمقدوره النزول، أو طلب مساعدة صديق، كما فعل ذلك الرئيس أوباما، فأتوا له الروس بسلم الكيماوي السوري يومذاك وأنزلوه عن الشجرة.

إنَّ أمريكا لم تعد القوة العسكرية العظمى الوحيدة، فعليها أن تبقى على بُرجها الزجاجي قائماً، دون تعريضه للكسر، وإفراد العضلات حول العالم، قد لا يأت لها بالعظمة التي يحلم بها الرئيس ترامب، وحلب البقرات السمينة، ممكن وأسهل له وذلك بالاعتياد، فلا يخش جفافها، وحتى اللحم يجب عليه أن يغض النظر عنه، لأنَّ هناك من يهمه إقامة الحق والعدل، وهو مُطيع لله بأفعاله .. وليس بدينه، وإن كان هو يتقرّب به لطلب رضاه أيضاً، وغزوة جوار كوريا الشمالية الجارية حاليًا، حتماً لن تكون أفضل حظاً من غزوة قاعدة الشعيرات.

ونقول للعرب كفاكم سفك دماء بينكم، والتوماهوك لن تقدم لكم ما تُريدون على طبق من فضة، وإصلاح ذات البين اليوم أفضل من الغد، وعودوا إلى القرآن الكريم ففيه رشدكم، وحل مشاكلكم جميعها، واتركوا الأحاديث التي لا تتوافق والقرآن الكريم، وصحيح السنة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وأجل تسليم، وهو القائل عز وجل: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} صدق الله العظيم آل عمران (103) فإن عدتم إلى كتاب الله لن تندموا أبداً، والقرآن الكريم فيه قوة وتعاضد وتعاون بين المؤمنين، ويستوعب حل مشاكل الكون كلها، إذا أنتم فهمتموه كما هو، وليس كما يُريد البعض، ولا تؤمنوا ببعض الكتاب وتكفروا ببعضه .. والله ولي التوفيق.