النفاق المؤسسي

 

 

علي بن كفيتان بيت سعيد

 

لقد أخبرنا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بأن المنافقين هم في الدرك الأسفل من النّار، وأنّ المنافق له صفات ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان وبهذا فإن صفة المنافق صفة مقيتة في الدنيا ولها حساب عسير في الآخرة، والإفراط في المجاملة قد يؤدي إلى النفاق، والنفاق يحجب حقوق الناس ويؤدي إلى انهيار المؤسسات ويعمل على وضع غشاوة أمام ولاة الأمور.

ولقد أخذ النفاق المؤسسي حيزا كبيرا في الآونة الأخيرة فلا عجب أن ترى صفحات وتغطيات صحفية وفي جميع الجرائد بكامل ألوان الطيف وفي المساء تقارير إخباريّة متلفزة وأخرى عبر الإذاعة تسلط الضوء على أمر ما وعندما تذهب لتتلمس الحقيقة لا تجد إلا غبار المعركة الإعلامية في الأفق، فما يهم المسؤول الأصغر هو إبراز الحدث وتضخيمه بأكبر العدسات وأنقاها ولا مانع من تمثيلية على أرض الواقع فقد تجلب مواد وتستأجر بشرا وتنظم رحلات طلابية وأخرى لذوي الاحتياجات الخاصة لكن ما يهم هو الصورة وليس المعنى وهنا يرضى معاليه أو سعادته أو رئيس مجلس الإدارة أو رئيس مجلس الأمناء وهلم جرا.

في هذا المضمار وصل النفاق المؤسسي أوجه بأن تقدم شركات خاصة وأخرى حكومية خدماتها لإرضاء المسؤول الحكومي أو أصحاب النفوذ أو أصدقاء السمر على حساب مجتمعات محلية متأثرة من نشاطاتها السامة يوميا بعد أن قضمت أراضيهم البكر وسلبت حياتهم الفطرية الجميلة فلا عجب أن ترى تلك الشركات المنافقة تمنح بعثاتها الدراسية لسكان لا يمتون بصلة لمنطقة عملها، ولا غرابة أن تبني بيوتا وتعمل على توفير خدمات علاجية وحملات إغاثة لدول أخرى في ظل هذا الواقع المرير باتت المجاملة نفاقا ممنهجاً وللأسف لا يعيبه أحد بل يعتبر نوعا من الأفعال التي أصبحت مطلوبة في من هذه الشركات.

كل تلك الأفعال الانتهازية ترسم صورة غير حقيقية لما هو على أرض الواقع حيث ترفع التقارير المنمقة لغويا والمطعمة بالصور المزركشة التي لا تمت إلى الواقع بصلة. قبل عدة سنوات كتب لي القدر أن يكون بجانبي في مقعد الطائرة سعادة الشيخ نائب محافظ ظفار السابق وعضو مجلس الدولة الحالي رجل عرفته من خلال عدة مقابلات في مكتبه فهو رجل دولة من الطراز الأول يوحي لك بأنه يعرفك من سنوات وتشعر بالطمأنينة عندما تجالسه وعرج حديثنا على الجانب الإعلامي وإنجازات مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار وكيف أنّ المكتب لا يستغل الإعلام لإبراز الأنشطة المختلفة في هذه اللحظات قال لي الرجل هذا هو واجبنا والحكومة تعلم عن جهود المكتب وهي في معظمها خدمية للمواطن في هذه المحافظة الغالية ولا نرغب بالتطبيل لما نفعل، الرجل غادر منصبه هذا وفقدته المحافظة ولكنه حظي بتكريم مولانا جلالة السلطان في مجلس الدولة.

ولقد باتت الموازنات الإعلامية لبعض تلك المؤسسات توازي موازنات الأعمال الفنية والخدمية المقدمة للمواطن أو ربما أكثر فشركات معينة تنفق أمولا طائلة لتقدم دعايات لباقاتها الوهمية في حين أنّها لا تفكر بتحسين خدماتها الأرضية بل وتستضيف مؤتمرات وورش عمل دولية تنفق فيها مئات الآلاف على الضيافة الهدايا التذكارية وغيرها وكله في خانة النفاق المؤسسي والتضليل المتعمد للرأي العام.

عندما نلقي الضوء على مثل هذه الظواهر التي باتت مُستشرية في كثير من المجتمعات نهدف لإبقاء تميز شخصياتنا ومؤسساتنا العمانية كما أراد لها ولي أمرنا جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- كشخصيات متزنة ومؤسسات راسخة تنتهج الحقيقة والمصداقية وتسعى لتحقيق الإنجازات بعيدا عن التطبيل الإعلامي الوهمي.     

حفظ الله مولانا جلالة السلطان وأدام عليه الصحة والعافية والعمر المديد.    

alikafetan@gmail.com