اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم

خالد بن علي الخوالدي
كتبت مقالا الأسبوع الماضي بعنوان (انتم أجمل بدون مكياج) وركزت فيه على أن يعيش الإنسان بطبيعته في كل شيء وعدم لبس أي قناع سواء في حديثه أو على شكله الخارجي مع تركيزي على المرأة التي تسرف وتبالغ في عمل المكياج حتى تظهر بشكل جميل وتجذب العيون إليها، وترضي عيون بعض الرجال الذين يستهويهم الشكل الخارجي أكثر من الداخلي، ولم يتسع المقال حينها لذكر الطامة الكبرى والمصيبة العظمى والتي هي أدهى وأمر وأخطر على وضع الأمة من وضع النساء للمكياج، فقد ظهر جيل من الذكور يهتمون وبشكل ملحوظ بمنافسة المرأة في وضع المكياج.
 
إنّ وضع النساء للمكياج البسيط قد يكون أمر طبيعي في كثير من الأحيان فهي أمّا متزوجة وتسعى لإرضاء زوجها حتى لا تزغلل عينه ذات اليمين وذات الشمال، وقد تكون مقبلة على الزواج وتسعى لأن تحصل على فارس الأحلام، أمّا الذكر الذي يضع المكياج فلا نجد له مبررا وكنا نعقد عليه الأمل في حماية الوطن والذود عن مقدساته، وننتظر منه أن يعمل تحت الشمس المحرقة لتطوير بلده وتقدمها، ونحسب عليه الحسابات في أن يكون القائد والجندي الأمين والشرطي الذي يسهر على أمن الوطن، والموظف المجتهد الذي يبتكر ويطور ويخترع لا أن يهتم بوضع المكياج ومنافسة المرأة في البدكير والمنكير وأحمر الشفاه والبودرة وتشقير الشعر والقصات، والاهتمام بالمكياج والتسريحات كأنّه من النساء بل وأحيانا يفوق النساء بالصبغات والكريمات والتشقير والتلميس وغيرها من أمور النساء.
 
إنّ هذا للأسف هو حال بعض الشباب في الدول العربية والإسلامية التي تعتز بإسلامها، فماذا نتوقع من الشاب الذي يضع روجا وخصلة شقراء ويلبس سلسلة على رقبته ومسلحا بمشط يحمله في أي مكان، هل نتوقع منه أن يخترع لنا أو يبتكر أو يكتشف أو يذود عن الحياض.
إنّ الترف الزائد والمبالغ فيه الذي يتربى عليه الأولاد من الجنسين هو سبب من أسباب كثيرة نرى نتيجتها واضحة على العيان الآن، فكل طلبات الأولاد مستجابة ومنفذة وأمرهم يتبع (بحاضر سيدي) أثرت في أن يطلع شباب بلا هوية وبلا هدف، ولا أحد يأتي ويقول ما نريد نقصر معهم، فالتقصير غير والدلع الزائد غير، وهذا يتناقض تمام التناقض مع توفير متطلبات الحياة السعيدة للأسر.
إنّ العلاج لهذا كله في أن نزرع في أولادنا مبادئ سامية وراسخة ونعودهم على أنّ الزمن مُتحوّل ومتقلب، وأنّ النعمة التي ننعم بها الآن قد تزول فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول (اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم) فجميل لو كل واحد منا علّم أولاده على الخشونة والصبر والتحمل وبأنّ التمتع بالنعمة لن يكون بصفة دائما وأنّها قابلة للزوال، وأتذكر هنا قصة سيدنا عمر بن الخطاب مع جابر بن عبدالله والذي قال: رأى عمر بن الخطاب لحمًا معلقًا في يدي فقال: ما هذا يا جابر؟ قلت اشتهيت لحمًا فاشتريته. فقال عمر: أو كلما اشتهيت اشتريت يا جابر؟! ما تخاف الآية "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا". فما كل ما يشتهي أولادنا حاجة نركض ونسرع لتوفيرها، فالقلب يشتهي الكثير والصغار لا يدركون في أحيان كثيرة مصالحهم، لذا يجب أن يكون التحكّم والسيطرة بأيدي أولياء الأمور حتى لا يصل الأولاد إلى أن يشتهوا صندوق المساحيق التجميلية ويشتري لهم مع بوسة على الجبين، وعلى كل مؤسسات الدولة والمؤسسات المدنية والأهلية والمجتمعية من الأسرة والمسجد والمدرسة والمجتمع مسؤوليات لابد أن يقفوا معها في هذا الجانب حتى لا يتحول الأمر إلى ظاهرة وحينها نبحث عن الرجال ونجدهم قد انقرضوا مع زمرة القيم والعادات والتقاليد الحميدة التي انقرضت من حياتنا، ودمتم ودامت عمان بخير.

Khalid1330@hotmail.com

الأكثر قراءة