طالبَ عددٌ من المختصِّين وروَّاد الأعمال بضرورة تسهيل إجراءات تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ من خلال زيادة فترات السداد، وخفض نسب الفائدة، ومساعدة المتعثرين على تطوير مشاريعهم، أو إعادة جدولة الديون.
وانتقدوا كذلك ما وَصَفُوْها بـ"الشروط التعجيزية" من البنوك ومؤسسات التمويل في السلطنة لمنح أصحاب الأعمال القروض التمويلية اللازمة لتنمية مشاريعهم القائمة، أو افتتاح مشاريع جديدة، تُسْهِم في دعم مسيرة التنمو الاقتصادي، وتُسَاعد الدولة في تنفيذ الإستراتيجيات الخاصة بتعزيز مواردها، وإتاحة المجال أمام الشباب لتدشين مشروعاتهم وتوفير فرص عمل لهم وللآخرين.
روادنا- فايزة الكلبانيَّة
وقال عَدْنَان حيدر درويش الرئيس التنفيذي لبنك الإسكان: إنَّ الدولة أوْلَت اهتماما بالغا لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر إصدار المرسوم السلطاني السامي الخاص بإنشاء الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ بغية تنمية وتطوير المؤسسات والتخطيط والتطوير والتنسيق والترويج لانتشارها وتمكينها من الحصول على ما تحتاجه من تمويل وخدمات، إضافة لغرس ثقافة ريادة الأعمال والعمل الحر لدى الناشئة والشباب، وتعزيز دور المؤسسات في توفير فرص العمل المتعددة والمتجددة للشباب العماني، وكذلك مساعدة رواد ورائدات الأعمال على المبادرة في إنشاء وتنفيذ المشروعات الخاصة بهم، والريادة في إدارتها وتنميتها، إضافة لتعزيز القدرة التنافسية للمؤسسات القائمة.
وأضاف درويش بأنَّ البنك المركزي العماني وَضَع منهجيات عمل لتسير عليها البنوك لمساعدة هذه المؤسسات في الحصول على التسهيلات الائتمانية اللازمة؛ لتمكينها من أداء دورها بما تمثله من إضافة نوعية للاقتصاد الوطني؛ حيث ألزم البنوك بأنْ تخصص ما مقداره 5 في المئة من إجمالي محافظها الائتمانية لهذه المؤسسات بمعدل فائدة متدنٍ، كما ألزم كلًّا منها بإنشاء دائرة مختصة تتولى شؤون هذه القروض.
وتابع بأنه من أجل تشجيع البنوك على منح التسهيلات لأصحاب هذه المؤسسات، فإنَّ البنك المركزي العُماني سمح لها بتخصيص أوزان مخاطر ميسَّرة؛ سواء للقروض منتظمة السداد أو المتعثرة. ويرى درويش أنَّه قد يكون من المناسب زيادة نسبة الائتمان الممنوح لهذه المؤسسات من إجمالي المحافظ الائتمانية للبنوك ليعكس حجمها على صعيد الواقع العملي؛ باعتبار أنَّ عددَ هذه المؤسسات وحجم القوة العاملة لديها يزيد على 50% من إجمالي المؤسسات القائمة؛ بما في ذلك العالمية وذات الدرجة الأولى منها؛ لذلك فإنَّ النسبة التي حدَّدها البنك المركزي تمثل الحد الأدنى المتوجِّب الالتزام به حسب التعميم الصادر عنه بهذا الشأن. وعليه، يتَّضح أنَّ البنية الأساسية التشريعية والتنظيمية مُهيَّأة لعمل هذه المؤسسات في بيئة آمنة ومراقبة.
من جهته، قال مُرتضى بن مُحمَّد جواد بن إبراهيم الجمالاني خبير التأمين عضو لجنة المال والمصارف والتأمين بغرفة تجارة وصناعة عمان، إنَّ اصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في السلطنة يتمتعون برعاية واهتمام من الجهات المعنية في البلاد؛ سواء في التمويل وغيره من الامتيازات الأخرى، والتي تشرف عليها جهات مختصة. وأضاف بأنَّ هناك لقاءات تعقد بين أصحاب هذه المؤسسات والمسؤولين في القطاع الحكومي وغرفة تجارة وصناعة عمان والمؤسسات الكبيرة؛ بهدف الاطلاع عن قرب على واقع والتعرف على التحديات والصعوبات التى تواجه هذه المؤسسات في سبيل دعم خطط تنويع مصادر الدخل. وأكَّد الجمالاني أنَّ المساهمة في تحقيق التنويع الاقتصادي الوطني مسؤولية الجميع من أجل النهوض وإنجاح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لاسيما وأنَّ أصحاب المؤسسات هم من المواطنين ويسهمون في تشغيل القوى العاملة الوطنية؛ لذلك يتحتم على الجميع ليس فقط الحكومة دعم أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وأكَّد الجمالاني أنَّ التمويلَ يُعدُّ أحد أهم وأبرز التحديات التى تواجه قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من أجل القيام بأدوارها على أكمل وجه؛ لذا يجب أنْ يضع صاحب العمل في اعتباره قبل البدء في أي مشروع ضرورة العمل على إعداد خطة عمل وميزانية عمومية وقوائم المالية، علاوة على التقيد بخطة عمل واضحة قائمة على دراسة جدوى، وعدم استخدام اموال الشركة للاهداف الشخصية.
اشتراطات تعجيزية
فيما قال نبيل الحربي الرئيس التنفيذي لمؤسسة نبيل الحربي للمشاريع والتجارة، إنَّ البنوكَ التجارية تخلق "عراقيل وتحديات" أمام الشباب أصحاب الأعمال، بدلا من أنْ تكون أكثر سلاسة ومرونة لمساعدة الشباب والأخذ بأيديهم. وأضاف بأنَّ هذه المؤسسات التمويلية تضع اشتراطات "تعجيزية"، فكل صاحب أعمال يود أن ينشئ شركته الخاصة لن يجد التسهيل في التمويل لا من جهة البنوك التجارية التقليدية أو النوافذ الإسلامية ولا حتى من قبل شركات التمويل. وأكد الحربي أنَّ هناك عراقيلَ عديدة ومُعقَّدة وضوابط تصعِّب على رواد الأعمال إمكانية الحصول على التمويل بسلاسة، حتى في حالة استيفاء "الشروط التعجيزية"، مشيرا إلى أنَّ صاحب الأعمال يُواجه في الخمس أو الثلاث سنوات الأولى صعوبة في سداد إيجاراته والوقوف على مدى نجاح المشروع؛ لذا لابد من زيادة فترة السماح لسداد القرض، حتى يتمكن رائد الأعمال من الاستمرارية، ومراعاته خلال فترة السماح بإرجاع القرض. وأشار إلى أنَّ الفوائد في البنوك التجارية تمثل مشكلة أخرى تضاعف الأعباء على أصحاب الأعمال؛ ما يُضيِّق الخناق عليهم في خطط التوسع والنمو.
وتابع الحربي بأنَّه فيما يخص التعثر لأصحاب الأعمال، يجب على الجهات المعنية أنْ ينظروا لصاحب أي مشروع متعثر بنظرة إيجابية، لأنه قد استمر في العطاء وسجله حافل بذلك، ولكنه وصل إلى مرحلة معينة وتعثَّر فيها لأسباب يجب النظر فيها؛ سواء تحديات التمويل أو أوضاع السوق في ظل الأزمة، أو القوانين الحكومية ومستجداتها، والأنظمة واللوائح.
واستطردَ بأنه يُفترض من البنوك دعم ومساندة صاحب الأعمال كي يحقق ويبلغ نجاحه المأمول، وليس في المقابل التخلي عنه وفقده لما يملك من قدرات ومشروعه بالكامل بسبب هذا التعثر، داعيا إلى أهمية دراسة الموضوع من مختلف الجهات المعينة لأسباب التعثر وإيجاد الحلول البديلة للمتعثرين للخروج من أزماتهم وضمان استمراريتهم في مشاريعهم. وناشد الحربي بضرورة وجود استثناءات جادة يتم تفعيلها لأصحاب الاعمال سواء كان متفرغا أو غير متفرغ؛ فهو صاحب مشروع يستحق الدعم والمساندة، مشيرا إلى أنَّ المتعثر لا ينبغي النظر إليه على أنه فاشل، وإنما هو يمرُّ بأزمة مالية تتطلب مساندته من الجهات المعنية للخروج منها؛ لهذا فلابد من تفعيل الاستثناءات من التسهيلات لأصحاب الأعمال؛ لضمان استمرارية عملهم وتحقيق النجاح من جديد.
اشتراطات مُعقَّدة
وقال مُحمَّد بن عوض الساعدي (رائد اعمال): إنَّ التحديات التمويلية كبيرة ومتعددة. مشيرا إلى تجربته مع التمويل البنكي بأنها "عصيبة"؛ إذ لم يتمكن من الحصول على التسهيلات في مشروعه الخاص لكونه "غير متفرغ"، إلى جانب التحديات الأخرى مع الجهات الحكومية وتعقيدات الضوابط والاشتراطات. وأضاف بأنَّ رائد الأعمال يُواجِه الكثيرَ من التحديات في مُختلف مراحل تأسيس المشروع، حتى بعد الحصول على التمويل، يواجه تحديا آخر وهو كيفية السداد، وتفادي التعثر. وشكا الساعدي من ارتفاع رسوم بعض المعاملات وما استجد من قوانين واشتراطات بعض الجهات، والتي تثقل كاهل صاحب الأعمال. وقال: "من واقع تجربتي مع التمويل كشاب عماني غير متفرغ وأملك مشروعا خاصًّا، لم أستفد من أي تحفيزات وامتيازات تقدمها الجهات المعنية؛ مثل: الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة "ريادة" أو صندوق الرفد أو غرفة تجارة وصناعة عمان...وغيرها". وأضاف: "من جهة أخرى، لا أستطيع تطوير مشروعي الخاص والاستفادة من هذه التسهيلات لأنني لا أمتلك بطاقة رواد الأعمال، رغم من عدم فاعليتها الكبيرة في تسهيل الإجراءات مثلما يشتكي البعض ممن يمتلكونها، كما أننا كرواد أعمال نعاني من التأخير والبطء في تخليص المعاملات والتي بح صوت الجميع من المناشدة بضرورة إعادة النظر فيها، سواء كانت في التمويل أو غيره من الإجراءات والتراخيص". وتابع بأنَّ القائمين على ذلك لا يضعون في اعتبارهم أنَّ أصحابَ الأعمال في المناطق البعيدة والمواطن الذي يبعُد عن مركز الولاية 100 كم أو 200 كم، يلزمه المراجعة للدوائر الحكومية يوميًّا أو أسبوعيًّا لتخليص معاملاته نتيجة تأخيرها، وهو ما يُمثِّل تحديا ومعوقا كبيرا أمامهم. وانتقد الساعدي تعدُّد الإجراءات البيروقراطية، وكأنها دائرة مفرغة يدور فيها المراجع لجهة حكومية أو دائرة عمل، فيما لا يستطيع المراجع من تخليص معاملته إلا بعد مرور أيام وأسابيع وقد تطول إلى شهور.
وأوْضَح أنَّ هناك تحديًا آخر فيما يخص الأراضي التجارية الممنوحة لرواد الأعمال؛ إذ إنَّ بعض الولايات لم يتم توزيع أراضٍ تجارية او صناعيه لمستحقيها. مشيرا إلى أنَّ أحد الأسباب قد يكون نتيجة لعدم توافر مسح أو مخططات واضحة وكافية، في حين أنَّ بعض الولايات قد أنهت إجراءات الأراضي الصناعيه والسكنية للمستحقين.
واستطردَ الساعدي قائلا: إنَّ أصحاب الأعمال من الشباب في ولاية عبري يعانون من مسألة إيقاف البعض من الأنشطة والعمل فيها؛ كونها غير مُصرَّح بإقامتها في القرى أو المدن لأسباب بيئية؛ مثل: ورش الحدادة أو محلات تصليح الإطارات أو مخازن ومستودعات الغازات؛ كونها لا تتناسب مع البيئة السكنية، وفي نفس الوقت لا توجد مناطق صناعية في الولاية، متسائلا: "أين يذهب رائد الأعمال؟ وماذا يفعل امام هذه العراقيل؟".