نزيف العراق

لا يزال الجرح العراقي يدمي على أرض الفرات، فبين مليشيات متطرفة ترفع لواء الدين زورا وبهتانا وقوات مدججة بأحدث العتاد والذخيرة، يقع المواطن العراقي فريسة وضحية لصراع لم يهدأ منذ أن سقطت بغداد على يد قوات الاحتلال الأمريكي في ربيع عام 2003.
ولا عجب أنّ الحادثة المؤسفة التي وقعت مؤخرًا- وراح ضحيتها قرابة الـ 40 مدنيا في مدينة الموصل نتيجة غارة أمريكية- تتزامن مع الذكرى الرابعة عشرة لاحتلال العراق وتدمير واحد من أكبر الجيوش العربية، وتشريد الملايين من أهل العراق في شتى أصقاع الأرض، فضلا عن موت عشرات الآلاف على مدى هذه السنوات العجاف. وتأبى الظروف إلا أن تتواصل المأساة العراقية، فالتناحر الحاصل بين القوات العراقية وتنظيم داعش الإرهابي يلقي بظلاله القاتمة على السكان المدنيين في غرب الموصل، التي تشهد مسرحا لعمليات عسكرية عنيفة.
وكعادته، يتنصّل الجيش الأمريكي من مسؤوليته عن المذبحة المذكورة في الموصل، بل ويلقي باللوم على القوات العراقية التي بحسب البيان الأمريكي، قدمت طلبا له لتنفيذ الغارة على هذا الموقع الذي شهد سقوط المدنيين بين قتيل وجريح.
المنظمات الإنسانية والإغاثية من جانبها، تدق ناقوس الخطر منذ شهور، وتحذر يوما تلو الآخر من مغبّة هذه المعارك، وأنّ المتضرر الأكبر فيها هم المدنيون، الذين يصارعون من أجل الحياة، فهم الفئة التي تبقت في الأرض العراقية ولم تستطع النجاة بنفسها، فاستسلمت للأمر الواقع، لتحيا فوق بساط الموت، الذي ربما يهوي بها في أي لحظة..
المأساة العراقية ربما تكون واحدة من أعنف المآسي التي يدوّنها التاريخ الإنساني الحديث، فهناك جيل كامل عمره الآن 14 سنة، ولد على وقع الغارات الجوية التي استهدفت نظام الرئيس الراحل صدام حسين، ونشأ بين أصوات المدافع وأزيز الطائرات العسكرية، وربما بعضهم حمل السلاح وهو على مقاعد المدرسة الابتدائية.
ومع إعلان القوات العراقية وقف العملية العسكرية في الموصل، يبدو أنّ الرابح الأكبر سيكون تنظيم داعش، فقد يتمكن من استعادة قوته وإعادة ترتيب صفوفه والقيام بعمليات مضادة، في ظل انشغال الأطراف العراقية بالبحث عن المسؤول في سقوط المدنيين.

تعليق عبر الفيس بوك