إضاءة

دعوا الكلاب تنبح في "فضائياتها"

مسعود الحمداني

لماذا نغضب حين تقوم قناة فضائية بتزوير الحقائق ونشرها؟!! ولماذا نعتقد أنّ مقالاتنا وإعلامنا سيقوم بلجم تلك القنوات وتفريق ضيوفها وزعزعة استقرار ضمائر مالكيها؟ ولماذا نريق حبر أقلامنا على ما لا طائل منه ولا نتيجة مرجوة له؟ ولماذا نظن أنّه بمجرد كتاباتنا ستغيّر هذه القنوات قناعاتها، وتلتزم بأدب الحوار، وتنبذ التطرّف، ويسود العالم السلام؟!
نحن موهومون إن ظننا ذلك، فهذه القنوات تقوم بواجبها تجاه ما تقتنع بأنه الإسلام الصحيح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي توصّل إلى حقيقته الثابتة علماؤها، ومفكّروها فقط دون غيرهم، لذلك فهي تبث قناعاتها، وتروّج لأفكارها فلا يجب علينا محاسبتها، لأن ذلك مضيعة للوقت، فهي تعتقد بأنها تملك الحقيقة المطلقة، وأن بقية المسلمين إما أن يكونوا ضالّين أو مضلّين أو مغضوب عليهم..فلماذا نجاري هذا الجهل؟..ولماذا نقيم الدنيا ولا نقعدها لأن مذيعا ما في قناة ما ينتمي لمذهب ما قام بسب وتكفير بقية الخلق؟ كل هذا لا يستحق، ولا يجدر بنا الرد عليه لأنه أصبح قناعة فكرية راسخة في أذهان كثير من علماء المذاهب.. ربما كل المذاهب، والتي أصبح لها قنواتها، وإعلامها الخاص تحت رعاية الحكومات وسمعها وبصرها.
هذه القنوات تقوم بواجبها تجاه مالكيها ومحرّكيها ومن يدفع رواتب موظفيها، لذلك لا يجب علينا أن نغضب منها لأنها تقوم بـ (تحليل لقمة عيشها) وإن لم تقم بعملها فقد تُغلق أبوابها، وتُشرّد عوائل موظفيها، فلماذا نحارب مثل هذا القنوات الهابطة فكرا والمفلسة أخلاقا والتي لا تختلف عن كل القنوات المتخصصة، كقنوات المسابقات، وقنوات الغناء والرقص، وقنوات الدعارة التي تنقسم إلى قسمين: دعارة جسدية معروف تمويلها، ودعارة فكرية، وهي التي تكسب قوتها من خلال بث الكراهية، ونشر الشعوبية، وتكفير كل من يخالف سادتها وسياستها في عقيدة (الفرقة الناجية).
إعلام الكراهية موجود على كل الأقمار الصناعية، وتبث من دول عربية وغير عربية، وتموّل من حكومات، وتحت رعاية أجهزة استخباراتية دولية وإقليمية، وتقوم بما يُملى عليها، وهي ذراع رسمي غير معلن لتلك الأجهزة، وهذه القنوات مهمتها زرع الفتنة، وتغليب النزعة الشعوبية والمذهبية، وتكريس مبدأ الإلغاء والإقصاء لكل من يخالف مموّليها الرأي، تحت غطاء مذهبي وديني، ولو أنّ الدول الإسلامية قامت بسنّ تشريع قانوني يجرّم سبّ وتكفير المذاهب المخالفة لما تجرأت تلك القنوات وعلماء السلطة على القيام بأي نشاط غير قانوني..ولو أنّ تلك الدول مالكة الأقمار الصناعية قامت بحجب وإلغاء اشتراكات هذه القنوات لما تكاثرت وتناسلت مثل هذه الأفكار الرديئة، ولمّا انتشرت الطفيليّات الضارة على شاشات الإعلام، ولكنّها لعبة الإسلام المسيّس الذي يحتاجه المستفيدون منه في كل مرحلة لبقائهم.
يجب أن نعي أن تنظيف العقول وإقناعها بقبول مبدأ الاختلاف يحتاج إلى مئات السنين، ويحتاج إلى الارتقاء بالتفكير والسلوك معا، وهذا غير متاح حاليا، فنحن شعوب ضعيفة ومتشظية لا نملك إلا عصا الإعلام الهش المسيّس، والذي يرفض الآخر، ويتربّص به، وينعته بأسوأ نعوت الجاهلية الأولى، بل ويخترع بعض علماء المذاهب الأشاوس مصطلحات ما أنزل الله بها من سلطان لتكفير المذاهب الأخرى، وتصغير شأنهم، فيتلقاها العامة بالتهليل والتكبير دون أن يعوا ذلك الصراع السياسي والمذهبي الخفيّ والمعلَن والذي يكونون هم وقوده وضحاياه،  بينما يكتفي علماؤهم بإصدار (فتاوى التكفير)، فيخترع البعض مصطلح (الرافضة)، ويخترع الطرف الآخر مصطلح (الناصبة)، لتختصر هذه المصطلحات آراء وأفكار المخالفين لهم والتي لا تتفق مع عقيدتهم، حتى أصبح اليهود والنصارى أقرب وأكثر ألفة (للمتمذهبين) من أبناء دينهم المخالفين لهم في المذهب.
هذا الصراع الطائفي والمذهبي والشعوبي الذي يدار تحت أستار الظلام لن يتم القضاء عليه بسهولة إذا لم تكن هناك إرادة سياسية ودينية حقيقية وواعية وصارمة تعيد الأمور إلى نصابها، وإلا ستظل هذه القنوات البغيضة تقتات على هذا الفتات، وتخلط الأوراق، وتلعب دورها السياسي المرسوم لها تحت شعارات دينية ومذهبية ترى في الاختلاف الفكري المستنقع القذر الذي تعيش فيه، والذي نشاهد فاتوراته الباهضة في دول عربية وإسلامية كثيرة..
فدعوا القافلة تسير واتركوا الكلاب تنبح كما تشاء في فضاءاتها، وفضائياتها، وحاسبوا رعاتها، أو دعوهم في ضلالتهم لعلهم يهتدون.
Samawat2004@live.com