مواكب زفاف العرسان

 

سيف بن سالم المعمري

 

كثيرة هي العَادات والتَّقاليد الاجتماعية الحميدة التي توارثتها الأجيال في المُجتمع العُماني، وعمَّقت أواصر المحبة والانسجام وتعاضد المجتمع في الأفراح والأتراح، وأصبح لكل مُناسبة اجتماعية أنماط مُعينة للتَّعبير عن الفرحة والسرور الذي يخالج أبناء المجتمع.

وتعد الأعراس من بين أهم المُناسبات الاجتماعية التي تشهد تفاعلاً في المجتمع، والتي تأخذ أشكال التعبير بالفرحة فيها عدة أنماط، سأخصص الحديث في هذا المقال عن أحد تلك الأنماط وهي مواكب زفاف العرسان وهي عبارة عن مشاركة أقارب وأصدقاء وأهالي بلدة العريس لعريسهم في نقل عروسته من بيت ولي أمرها إلى بيته، وقد كانت في الماضي تتم عن طريق الحيوانات كالجمال، ولكن في العصر الحالي تتم عن طريق السيارات، وأصبح التَّباهي في أكبر عددٍ من السيارات ونوعيتها وأشكال التزيين عليها محل الاهتمام البالغ لأبناء المجتمع ولدى العريس خاصة ولمن سيشاركه فرحته.

وإن كانت قيمة التعاضد في الأفراح لا تزال راسخة في مُجتمعنا ومشاركة العريس فرحته من خلال الدخول في موكب الزفاف؛ إلا أنه – وللأسف الشديد- تعدت المشاركة في الفرحة إلى محاولات تعكير أجوائها والعبث بالنظام العام الذي أعتاد عليه مجتمعنا المُحافظ على قيمه وعاداته الأصيلة، وأصبحت مواكب زفاف العرسان متنفسا للمستهترين واللامبالين - وهم بلا شك قليلون في مجتمعنا- للطيش وتعريض حياتهم وحياة الآخرين إلى خطر الحوادث المرورية المروعة، وتعطيل مصالح الآخرين فالكثير من عابري الطريق إلى وجهاتهم الخاصة يعلقون في مواكب الأعراس وقد تكون لديهم حالة طارئة لنقل مريض إلى المستشفى أو يرغبون الوصول لموقع عملهم أو أي وجهة أخرى وقد يتسبب زحام مواكب الأعراس في تأخيرهم عن الوصول إلى وجهتهم في الوقت المناسب، بالإضافة إلى إشغال مؤسسات المجتمع حيث يتضاعف حجم الجهد الذي يبذله رجال المرور في تنظيم السير، وإرباك أجنحة الطوارئ في المؤسسات الصحية بالحوادث التي تنتج عن حالات التجاوز الخاطىء ومحاولات البعض غلق مسارات الطًّرق أثناء سير موكب الزفاف، وعدم اللامبالاة في السير إلا في المسارين المتعاكسين في نفس الوقت، مع مصاحبة ذلك بالتفحيط والخروج من نوافذ وفتحة سقف السيارة، كما يُصاحب تلك المواكب إطلاق النَّار من أسلحة تقليدية ومن الألعاب النارية والتي تسببت في عدة مناسبات عن إصابات وأضرار بالقائمين عليها وأحيانًا بالأبرياء الذي عكَّروا عليهم صفوة الفرحة.

وما يزيد من سوء الأمر تفرغ المستهترين واللامباليين للانضواء في مواكب الأعراس بمجرد سماعهم عن مكان ووقت مرور موكبها حتى وإن كانوا لا يعرفون أهل العريس ولا تربطهم به معرفة، وإنما بدافع الفضول وحب تعكير فرحة ذلك الموكب، بل إن بعض مواكب زفاف العرسان تشهد زحامًا شديداً نتيجة كثرة عدة السيارات والتي تتجاوز العشرات لتصل إلى ما بعد المائة نتيجة مرور موكب زفاف العرسان على عدة قرى وأحياناً ولايات من بيت أهل العريس إلى بيت أهل العروس وترصد المستهترين واللامبالين للدخول فيها وإرباك انسجامها والتزامها بقواعد وأنظمة السير والمرور.

 وفي معظم الحالات آنفة الذكر أصبح من الصعوبة بمكان أن يتحمل العريس وأهله أخطاء الآخرين وربما تعكير فرحتهم بالعرس، ولأن دفع المضرة أولى من جلب المصلحة فأصبح من الأهمية أن يتم احتواء هذه الظاهرة السلبية التي وإن كانت في بداياتها إلا أن السيطرة عليها يجب أن تشغل المجتمع، وأن تقوم جميع المؤسسات بواجباتها، وألا نعفي أنفسنا من المسؤولية ونكتفي بتحميل رجال المرور مسؤولية ضبط المخالفين وردعهم في مثل هذه المواقف، فكثرة عدد مواكب الأعراس في فترات وساعات زمنية معينة وتزامن خروجهم مع بعض يتسبب في الزحام المروري وخلق حالة من الفوضى إن صح التعبير.

إنَّ المجتمع في العصر الحالي استعاض عن الكثير من مشاهد الفرحة التي تصاحب مناسبات الأعراس في الماضي بأساليب عصرية، رغم أن محافظة المجتمع عليها وتناقلهم للأجيال هي الأولى والمرتجى، فلم تعد إقامة الفنون الشعبية في أيام وليالي العرس في معظم الولايات كما كان في الماضي، وأكتفى الناس بسماع الأغاني والأهازيج عن طريق أجهزة التسجيل والأقراص المدمجة ونحوها، كما كانت الأعراس في الماضي تشهد عملا مضنيا للاحتطاب وافتراش المجالس والساحات للمدعوين، واكتفى الناس بطبخ ولائم الأعراس في المطاعم، وإقامة حفلات الأعراس في الفنادق وقاعات الأفراح وغيرها.

لذا حان الوقت ليتخلى المُجتمع عن مواكب الزفاف والتي أصبحت بدون جدوى، فقيام العريس بنقل عروسته من بيت ولي أمرها إلى بيته بسيارته الخاصة ثم استكمال الفرحة بوصول العريسين إلى بيتهما وانتظار المُهنئين لهما في بيت العريس هو أولى وأكثر نفعاً وتقليلاً للكثير من المصاريف ورفعًا للحرج عن الناس.

وعلى المجالس البلدية أن تتبنى تلك الأفكار التي تخدم المجتمع وتسهم في تماسكه، وتعاضده، وأن نتجاوز المظاهر التي تتسبب في إرهاق المجتمع، ونستشرف المستقبل بأنماط حياتية تُحافظ على المجتمع وهويته وتربطه بماضيه وحاضره، ونعمل على تهيئة بيئة أسرية آمنة؛ لتدوم الأفراح والمسرات.

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت ،،،

Saif5900@gmail.com